Author

ماذا ينتظرنا .. غدا؟

|
يقال "أفضل وقت لزراعة شجرة قبل 20 عاما، وثاني أفضل وقت الآن"..هذا القول ينسحب على شجرة الاقتصاد الوطني الموعودة بتحول كبير في الرؤية والاستراتيجيات أفصحت عنها الميزانية السعودية ويدور حولها حديث كثير منذ نشرت "ماكنزي" ما يعتبر خريطة طريق لخطة التحول الاقتصادي. لكن السؤال الذي يضرب في عصب الاستفهام عطفا على ما تم من قرارات تزامنت مع الميزانية العامة في السعودية من "توسيع للقاعدة الضريبية" و"رفع الدعم عن أسعار الوقود والكهرباء" وخلافها، هل يعني ذلك أن المنصة جاهزة لإطلاق خطة اقتصادية تخفف من تداعيات "تحكم النفط" وأن المجتمع بطبقاته بات مؤهلا لاستيعاب هذا التحول من الاقتصاد "الريعي" إلى "الإنتاجي"؟ أم أن المسافة لا تزال كبيرة بين رؤية المخططين وتحديات الواقع؟ الحقيقة هي أن سياسات التنفيذ ستمثل الاختبار الحقيقي لنجاعة كل هذا التغير الاقتصادي الكبير ومدى تأثيره في حياة الناس، ومن سيدفع فاتورة من؟ ولماذا وكيف سيحدث ذلك؟! من يقرأ وسائل الإعلام في الأسبوع الأول بعد صدور القرارات الجديدة، سيلاحظ أنه خلال يومين فقط انتقلت من مرحلة قراءة القرارات وتحليلها إلى مرحلة متابعة الآثار الأولية التي جاءت سريعة بدورة شبه كاملة لارتفاع في الأسعار تنذر بمعدلات تضخم كبرى، بينما كان رتم الأداء الحكومي باتجاه هذه التغيرات السعرية بطيئا ويدل على غياب الأرضية لإحداث مثل هذا التغيير دون التدرج الكمي والنوعي، ودون إيجاد قنوات رقابية واضحة تمنع تحويل قرار "رفع الدعم الحكومي عن الوقود والكهرباء" إلى استغلال لرفع الأسعار دون أن يعرف المستهلك النهائي ماذا يفعل! إن أغلبية أفراد المجتمع ليسوا معنيين بمصطلحات اقتصادية فاخرة التداول كقطعة شوكولا، بل هم معنيون بفهم لماذا تؤثر هللات الوقود والكهرباء في كل شيء؛ لتصل إلى ملابسهم وإيجار مساكنهم منذ اليوم الأول للقرارات الجديدة؟ هم ليسوا مشغولين بما نكتب أكثر من انشغالهم الآن كيف يعيدون حساب مصروفاتهم أمام عوائدهم الشهرية من أجور؟ وما الذي عليهم فعله لمواجهة المستقبل؟ هم ليسوا بحاجة إلى تطمينات ولا إلى قراءات رقمية لمحللين اقتصاديين يتحدثون عن أرقام كبيرة يمكن تحصيلها كعوائد غير نفطية، بقدر ما هم معنيون بفهم كيف ستؤثر هذه القرارات في مستقبل أبنائهم سلبا أو إيجابا؟! المشكلة أن تمكين السياسات وتفعيلها لإدارة أي خطة اقتصادية مسألة لا يمكن إيجادها في يوم وليلة وليس هناك عصا سحرية لاستنباطها غدا، فهي نتاج تراكمي لنمو المجتمع المدني، وقناعة صانع القرار السياسي بالتوقيت المناسب لإحداثها ودعمها سواء على مستوى مؤسسات المجتمع المدني، أو تصويب التشريعات، أو تفعيل أنظمة وقوانين مكافحة الفساد. هي بلا شك تحد كبير تعمل عليه الدولة. لكن الأمر اليوم بما أنه أصبح واقعا والناس أمام واقع اقتصادي جديد فنحن على الأقل سنحتاج إلى إجراءات سريعة تلاحق التأثيرات الجانبية لخطة التغيير الاقتصادي وذلك من خلال جهة مستقلة لتقييم الأثر الاقتصادي والاجتماعي ومدى تحقيق هذه السياسات أهدافها ولتصحيحها أو الإبقاء عليها أو لتغييرها. نتفق على أنه مسار طويل أمامنا يستلزم الصبر والتقشف، ولكن بإمكاننا تقليل التعثر لاختصار المسافة!
إنشرها