الاقتصادية - الموقع الرسمي لأخبار الاقتصاد والأسواق | الاقتصادية

الجمعة, 19 ديسمبر 2025 | 28 جُمَادَى الثَّانِيَة 1447
Logo
شركة الاتحاد التعاوني للتأمين8.27
(-0.84%) -0.07
مجموعة تداول السعودية القابضة151.8
(-1.56%) -2.40
الشركة التعاونية للتأمين115
(-1.71%) -2.00
شركة الخدمات التجارية العربية120.3
(-0.66%) -0.80
شركة دراية المالية5.41
(2.08%) 0.11
شركة اليمامة للحديد والصلب31.3
(-1.26%) -0.40
البنك العربي الوطني21.18
(-0.24%) -0.05
شركة موبي الصناعية11.2
(0.00%) 0.00
شركة البنى التحتية المستدامة القابضة30.4
(-1.23%) -0.38
شركة إتحاد مصانع الأسلاك19.84
(-0.55%) -0.11
بنك البلاد24.77
(-0.72%) -0.18
شركة أملاك العالمية للتمويل11.33
(0.18%) 0.02
شركة المنجم للأغذية53.85
(0.19%) 0.10
صندوق البلاد للأسهم الصينية11.58
(0.87%) 0.10
الشركة السعودية للصناعات الأساسية52.75
(0.67%) 0.35
شركة سابك للمغذيات الزراعية112.7
(1.62%) 1.80
شركة الحمادي القابضة27.58
(-2.75%) -0.78
شركة الوطنية للتأمين12.98
(-0.61%) -0.08
أرامكو السعودية23.65
(0.21%) 0.05
شركة الأميانت العربية السعودية16.37
(-0.12%) -0.02
البنك الأهلي السعودي37
(1.09%) 0.40
شركة ينبع الوطنية للبتروكيماويات28.16
(-0.78%) -0.22

إن تم تخييرك بين أن تصبح سجانا أم سجينا، فأيهما ستختار؟ قد يعكس الخيار رغبات أو عقدا نفسية دفينة تلجأ إلى الرغبة في أن يصبح المرء جلادا أو أسيرا. يظهر ذلك من خلال الفيلم الأمريكي المستقل "تجربة سجن ستانفورد"، الذي تم إخراجه في عام 2015، ويعد من طراز التشويق النفسي، للأمريكي كايل باتريك الفاريس، بعد أن عكف على مشروع الفيلم، منذ أن أعلن خطة تنفيذه في عام 2002، واستمر الإعداد لتنفيذ الفيلم لما زاد على 12 عاما. وهو مقتبس عن تجربة واقعية لعلماء نفس من جامعة ستانفورد تحت إشراف فيليب زيمباردو، لتشييد سجن وهمي ليغوص في ثنايا العلاقة بين الجلاد والسجين. وعلى الرغم من أن التجربة الفعلية كانت تهدف لأن تحقق مدة زمنية تصل إلى أسبوعين منذ 14 آب (أغسطس) من عام 1971، إلا أن التجربة الفعلية لم تتعد ستة أيام بسبب انهيار عدد كبير ممن خاضوا التجربة. وقد ظفر الفيلم المستقل بجائزة أفضل سيناريو سينمائي، وأفضل فيلم مستقل في مهرجان صن دانس السينمائي.

الفيلم ينقل بأسلوب براجماتي عملي، ملامح التجربة ذاتها منذ بدئها باختيار 24 شابا، بعد إجراء دراسة وتمحيص للتأكد من الاتزان النفسي، للمتبرعين بخوض التجربة، لقاء 15 دولارا في اليوم. إذ لا بد من التأكد من عدم وجود شوائب نفسية تتسبب في زرع أو إيجاد عنف أو قلق في السجن. يتم بعد ذلك تخييرهم بين أن يصبحوا سجناء أم سجانين. لينقسم المتبرعون بالتجربة إلى قسمين، من اختار أن يصبح جلادا ومن اختار السجن، كشخصية كريستوفر أرتشر الذي علل سبب اختياره لأن لا أحد يحب الحراس. فيما يظهر المكان وكأنه سجن حقيقي، وإن كان مجرد قبو في الجامعة وقد برع المخرج في تجسيد ما هو أشبه بسجن فعلي أثار الرعب في نفوس أولئك الذين خاضوا التجربة.

برع المختص بالتصوير السينمائي جاس شيلتو بعكس الأجواء الكئيبة المصاحبة للتجربة القاسية، كما اختار بانتقاء ألوان ترابية كئيبة، وأزياء تعكس حقبة السبعينات بإتقان فني. إضافة إلى استخدام تقنيات لتقريب الكاميرا من الوجوه لتسليط الضوء على التعابير والانطباعات جراء المواقف المفتعلة. أضف إلى ذلك تسليط الكاميرا على الممرات الضيقة والأماكن المغلقة لإعطاء طابع يصيب بالاختناق بما هو أشبه بحالة مستفحلة من الرهاب من الأماكن المغلقة.

كما تميز طاقم الممثلين بتلقائية في الأداء المتقن، وبرز الأمريكي بيلي سايدرب عن الدور المحوري في الفيلم عن شخصية البروفيسور زيمباردو، إذ يدفعك بأدائه لمقت شخصيته لعدم تعاطفه مع الحالات النفسية للسجناء، ومراقبته الباردة لممارسات القمع والتهويل من قبل السجانين دون تفاعل. كما حدث حين راقب تسلط السجانين ونصحه أحد أعضاء الطاقم بالتدخل، ليعترض بفضول ممتزج باللامبالاة بأن عليهم الترقب وترك الحراس يصنعون القرار وابتكار حل للأزمة الداخلية.

فيما يتجلى في وسط كل تلك السوداوية المفرطة والإحباط المحيطي، دور عنصر أنثوي لبروفيسور علم النفس كريستينا ماسلاك، التي قامت بتأدية دورها أوليفيا ثيرلبي، ونجحت في إيقاف تجربة سجن ستانفرد. وكأن الجنس الناعم قادر على التعاطف بصفة أكبر مع الآخرين، ما يدفعه للمناضلة في سبيل القضاء على أي ملامح للعنف.

#2#

الفيلم يبرع في إبراز الخصائص النفسية لكل من الجلاد والسجين، ونوعية العلاقة الشائكة بينهما، التي تتجلى في مواقف قد تبدو بسيطة إلا أنها تحمل أبعادا عميقة لردود الأفعال وغريزة البقاء، كموقف السجينين اللذان يسعيان للهرب من السجن بعد إصابتهما بالتشكك من مدى كون التجربة فعلا وهمية، مما يدفع الجلادين بعد إعادتهما للسجن باستخدام أساليب التقريع والإهانة الممعنة، وذلك على الرغم من توصيتهم بعدم الإساءة للمساجين.

تثير هذه التجربة تساؤلات عديدة تحاول استكشاف السبب وراء كون السجن مكانا خصبا للعنف والجريمة، ومحاولة فهم الصراعات التي تجري خلف القضبان. فكما يتساءل المخرج في صفحة الفيلم الرسمية: "ماذا يحدث إن تم وضع أشخاص جيدون في مكان سيئ؟" ليثير ذلك التساؤل إن كانت نزعة الشر متأصلة لدى المساجين، أم أن الظروف المحيطة بهم داخل السجون هي ما دفعتهم بارتكاب ما يخالف الطبيعة. فما الدوافع النفسية وراء الشر؟ تتعالى سلطوية لا حدود لها، وممارسات سادية واستخدام لأساليب التخويف النفسي من قبل حراس قد يكون اتصف عدد منهم بالاضطراب النفسي، على الرغم من اجتيازهم مرحلة التمحيص المبدئية، قد يكون ذلك ما دفعهم إلى تقمص دور السجان الحقيقي وتناسي كون التجربة غير حقيقية. كل ذلك أثار حالة من الرعب تسببت باللبس ما بين كون الواقع المعاش تجربة وقتية، أم أنهم استحالوا لسجناء فعليين يتعرضون لأساليب التقريع والتعذيب النفسي بقسوة ممعنة. في الحين الذي ذعر فيه السجناء، وبات الواقع مختلطا بالعالم الوهمي لتقييد الحرية، ليتصاعد القلق النفسي والتوتر الذي يكتنفه الاكتئاب، بل يظهر تدهور سريع للحالات النفسية إلى حد الانهيار من أول وثاني يوم. ولا سيما مع محاولة نزع الإنسانية عنهم منذ البداية، بممارسة أساليب التقريع والضغط النفسي، وإجبارهم على نسيان أسمائهم واستبداله بأرقام سجلوا بها في السجن، أضف إلى ذلك ارتداء زي موحد. دفع كل ذلك الأغلبية للإذعان لما تعرضوا له، باستثناء سجين أو اثنين، وصلوا إلى حالة انهيار منذ البداية.

ما يؤخذ على الفيلم ابتعاده عن شخصنة السجناء، ما يبعد المشاهدين عن التعاطف معهم، والتعامل معهم بموضوعية مطلقة. إلا أن ذلك قد يكون مقصودا بهدف إبراز النظرية التي يحاول زيمباردو تطبيقها بتجرد تام من المشاعر.

مثل هذه التجارب تدفع المرء للتساؤل حول قابلية المرء إن حاز سلطة وقدرة على الإعمال في الإساءة إلى الآخر، وإن كان من الصعب تكهن ردود الأفعال التي تختلف من شخص لآخر، وإن كانوا في البيئة ذاتها. هناك خيط رفيع يفصلنا عن السقوط في هاوية التعنت والاستبداد، ذلك الذي قد يستبد بنا إن سنحت الفرصة، لنجد أنفسنا مستسلمين للقيام بممارسات سلطوية مفرطة. فالنفس البشرية ليست متحضرة تنأى بعيدا عن الوحشية والدمار، بل العكس، فإذا ما توافرت مؤثرات محيطة تظهر قابلية مفرطة للتسلط والإعمال في العنف مع انعدام التعاطف مع الآخرين.

للإشتراك في النشرة
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من الاقتصادية