«برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية»
الموظفون المدنيون في أجهزة الدولة والخاضعون لنظام وزارة الخدمة المدنية عدديا يشكلون ما يزيد على مليون ومائتي ألف موظف (59.66 بالمائة رجال و40.34 بالمائة نساء) حتى رمضان 1436هـ. الوظيفة المدنية عانت كثيرا من تداخل الجهات المختلفة في تنظيمها. الجهات الموظفة لا تملك الوظائف إلا اسميا. ووزارة الخدمة المدنية لم تكن قادرة فيما مضى على تطوير هذه الوظائف، إلا بإصدار قرارات التوظيف التنفيذية، واعتماد الترقيات وتنسيق برنامج التدريب المحتكر مع معهد الإدارة العامة "الاقتصادية، عدد 25 مايو 2011، معهد الإدارة.. احتكار التدريب بإمكانات محدودة". أصيب الجهاز الحكومي بترهل وظيفي خانق قتل كثيرا من مجالات الإبداع، أدى إلى التعامل مع الموظف كونه أداة تنفيذية مع التخلي عن كثير من الجوانب الإنسانية والإبداعية لهؤلاء الموظفين "الاقتصادية، عدد 20 سبتمبر 2012، المعاملة على مائدة الموظف". نظام العمل الرسمي في المملكة يعد أحد العوائق في تحقيق الإبداع الوظيفي، وأشبهه بنظام التكافل الاجتماعي في جوانب كثيرة. متى ما حرر نظام العمل الرسمي من البيروقراطية التي تعوق تقدمه كثيرا، سنرى تجارب قيمة تضاهي تجربتي وزارة التجارة ووزارة العمل "الاقتصادية، عدد 20 مايو 2015، نمطية نظام التوظيف تقتل الموهبة".
ما ذكرته أعلاه جزء تأريخي من معاناة بدء الوقت لحلها بعد صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز على إطلاق "برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية"، هادفا إلى رفع جودة أداء الموظف الحكومي وإنتاجيته في العمل وتطوير بيئة العمل ووضع سياسات وإجراءات واضحة لتطبيق مفهوم الموارد البشرية وإعداد وبناء القادة من الصف الثاني.
البرنامج ينبئ عن تطوير هيكلي سيشمل الوظيفة الحكومية تنمية للموارد البشرية واستكشافا وتأهيلا للقيادات المستقبلية في قطاعات العدل، والشؤون الاجتماعية، والزراعة، والنقل، والاتصالات وتقنية المعلومات، والخارجية، والثقافة والإعلام.
البرنامج يهتم بالموظف العام في قطاعات العمل الحكومي ولو أنه أجل الموظف العام في بقية القطاعات الأخرى خاصة التعليم والصحة لما بعد تقييم التجربة على الوزارات المذكورة سابقا.
لا شك أن الوظيفة الحكومية عانت كثيرا من جمود الأنظمة المحيطة بها، وحرمت كثيرا من المنسوبين من استحقاقات كانت ستؤدي إلى منجزات إبداعية، لكن إطلاق هذا البرنامج وفي هذا التوقيت يعطي مؤشرا مهما أن الدولة مقبلة على تطوير شامل سيزيد من فاعلية الأفراد وسيؤدي إلى نتائج محمودة بإذن الله. الموظف والموظفة طاقة بشرية وعلمية قادرة على الانطلاق والتميز متى ما أعطيت حرية للإبداع والتطوير.
كل الشكر لمن يقف خلف هذا المنجز الحضاري الذي سيقود لتطوير شامل لاقتصاديات العمل، من أجل تحقيق الفعالية والتميز في تقديم الخدمات الوظيفية. وتبقى ضرورة وجود جائزة للتميز الحكومي المؤسسي والفردي من أهم المكتسبات التي نأمل أن تتحقق قريبا.