Author

القانون والضمير والعقل

|
دائما ما تطالعنا وسائل الإعلام في وطننا العربي بأخبار غريبة وصادمة وغير منطقية، فقتل أحدهم لابن عمه لأنه عسكري يعمل لخدمة وطنه خبر مفجع، يندى له الجميع، وطعن آخر لأمه خبر يقطع القلوب السليمة، أما استخراج قلوب الأسرى وذبحهم ذبح الشاة أو حرقهم فهو أفظع مما تحتمله النفس السليمة. ويقابل الجمهور هذه الأخبار بكم كبير من الاستغراب والإدانة والتشنيع، ودائماً ما نطرح سؤالاً على أنفسنا، نستفهم عن مصدر هذه الوحشية وكيف ظهرت فجأة. مشكلتنا كعرب ومسلمين أننا نرمي مسؤولية حماية المجتمع والأمة على الوعظ والضمير، فالسرقة والقتل والمخدرات والجرائم الأخرى، يجب أن تكافح عبر المنابر والخطب الوعظية، أو عبر تبريرات عقلية – منطقية قبح الجريمة – تفضي إلى قبح الجريمة وحسن العدل. الغرب من جهة أخرى، يحترم العقل والضمير، لكنه لا يرمي مسؤولية حفظ النظام على العقل أو الضمير، لأن عقول الناس تختلف، ومنطقها يختلف، وتبريراتها تختلف، وضمائرها تتفاوت. الغرب يضع مسؤولية حفظ النظام بين الناس وبين الدولة وبين المختلف على عاتق القانون، لأن القانون هو كتلة صماء ذات معان محددة – ليس بالمطلق، ولكن بالأغلب – واضحة التفسيرات والنتائج، لتكون هي قاعدة حفظ النظام بين المختلفين – دينيا وعرقيا وسياسيا – لأن وضع حفظ النظام على عاتق الضمير والعقل يفضي إلى استغلال الغلبة العددية، أو تغليب الآيدلوجيا على المختلف، أو الانتقام من المختلف عبر قوانين لا يؤمن بها، أو عقائد تختلف مع عقيدته الإيمانية. ومن الأخطاء القاتلة الاعتماد على مبدأ أن البشر بطبيعتهم طيبون متآخون، لا يعكر صفو عيشهم شيء، ولو تُرك البشر على سجيتهم وفطرتهم لأصبحوا في أفضل حال. ومن يميل إلى هذا التفسير دائما ما يحاول تحصين الناس بالتحذير من الحسد والتعدي على الآخرين، عبر الخطب الوعظية التي تدعو إلى العمل الصالح. إن أصحاب هذا الرأي يستندون دائما إلى استخدام هذا الأسلوب حتى في القضايا التي تحتاج إلى حلول أكبر وأكثر تعقيدا من مجرد الوعظ، فالبعض منهم قد يتجه إلى معالجة الفساد الإداري أو الأخلاقي بهذا الأسلوب نفسه، الذي يفترض ملائكية البشر. مشكلة العرب عموماً هي أن تقييمهم لتاريخهم والأحداث التي تدور حولهم دائماً ما يأتي بشكل عاطفي، ودائماً ما نرمي أسباب مشكلاتنا على الغرب القبيح، الذي يريد هدم الإسلام واستهداف المسلمين وتشويه صورتهم، ومن ثم السيطرة على ثرواتهم ومقدراتهم. وإذا كان الإنسان كائنا ناطقا، فالعربي كائن عاطفي، يتعامل حتى مع الظواهر الطبيعية بشكل عاطفي، ففيضانات الصين هي غضب إلهي، وفيضانات إندونيسيا اختبار من الله لعباده المسلمين، وكأن الصينيين ليسوا من عباد الله.
إنشرها