هذه المرة جاءت تأكيدات قدرة اقتصاد المملكة على مواجهة التحديات التي فرضتها مرحلة التحول في أسعار النفط، جاءت من مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد، مع تأكيداتها أن النظام المصرفي السعودي قوي، ويمكنه مواجهة المتغيرات المحسوبة وغير المحسوبة أيضا، الأمر الذي يعزز الحقائق الاقتصادية الموجودة على الأرض، ويبعد المبالغات التي تصدر بين الحين والآخر من بعض الجهات، ويضعها في المكان الذي يليق بها. فالحقائق لا تحتاج إلى محلل بقدر احتياجها إلى ناقل نزيه، والسعودية كغيرها من البلدان التي تعتمد على النفط كسلعة رئيسة للدخل، تواجه ضغوطا بعضها كبير والآخر غير ذلك، لكنها لا تقف أمام أزمات، ولا سيما أن السعودية نفسها، هي التي أطلقت عملية تصحيح أسعار النفط، ولا تزال متمسكة بأن تستكمل هذه العملية مراحلها وتحقق أهدافها.
هناك اقتراحات ومشاريع تطرحها المملكة من أجل مواجهة التغيرات، بعضها دخل محل التنفيذ الفوري، وبعضها الآخر يتطلب المزيد من البحث والدراسة، ولا سيما فيما يتعلق بالأدوات الجديدة التي تنوي السعودية إدخالها على اقتصادها. وهي تقوم بذلك، دون أي تراجع في التزاماتها المحلية بل الدولية أيضا. فتراجع أسعار النفط بصورة تاريخية حقا، لم يؤثر في منظومة المساعدات السعودية الدولية، فضلا عن أن المشاريع التي بدأت فيها لم تتوقف أو تتأخر، إضافة إلى استمرارها في استكمال خطة التنمية الهائلة التي بدأتها منذ سنوات، بما يساعد على إيجاد اقتصاد جديد لا يشبه ما كان قائما في العقود الماضية. وعلى هذا الأساس، فإنها تقوم بعملية إعادة هيكلة اقتصادية دون المساس بأي جانب معيشي محلي، أو واجبات أوكلتها لنفسها على صعيد المساعدات والمعونات التي تقدمها على الساحة العالمية.
ولا شك أن تطوير سوق مستقلة للسندات في المملكة سيوجد رافدا جديدا للاقتصاد الوطني، يضاف إلى التغييرات التي أحدثتها في الأشهر القليلة الماضية، وفي مقدمتها فتح باب الاستثمار المباشر للأجانب في السوق المالية. والخطوات الراهنة لفتح قطاع التجزئة بالكامل أمام الاستثمار الأجنبي. وقد اتخذت السعودية سلسلة من الخطوات لتشجيع هذا النوع من الاستثمارات، إلى جانب اهتمام مباشر به من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز. الأمر الذي يمنح الباحثين عن الاستثمار في المملكة المزيد من الثقة، دون أن ننسى التسهيلات التي اعتمدتها السلطات التشريعية في مجال الاستثمار المحلي والأجنبي في الفترة السابقة. كل ذلك يدخل ضمن نطاق بناء اقتصاد جديد، ليس بسبب المتغيرات النفطية الراهنة، بل لوجود خطة وضعت أصلا قبل هذه التحولات النفطية.
لا شك في أن المملكة تحتاج إلى تحقيق نمو مستدام، إضافة طبعا إلى توفير فرص عمل في السوق المحلية، وقد أقدمت على سلسلة من المشاريع التي توفر أعلى مستوى من التوظيف ضمن أفضل المعايير. ومثل هذه المشاريع وغيرها، تحتاج إلى وقت لكي تستحق عناصرها أولا، ومن أجل أن تصل إلى المرحلة التي تمكنها من تقديم العوائد المطلوبة. وهذا يتم (مرة أخرى) تحت ضغوط التصحيح التاريخي لسوق النفط، بل في ظل صراع بين المملكة وبعض البلدان النفطية التي اعتمدت سياسة إغراق السوق النفطية، وفي الوقت نفسه تأمل في أن تحقق عوائد وأرباح عالية! هذا لم يعد واردا على الساحة العالمية الآن. فالتصحيح النفطي يمضي قدما، واستكمال بناء اقتصاد سعودي جديد يسير بخطوات ثابتة إلى الأمام، وفق أعلى معايير الشفافية والنزاهة والصراحة. والأهم، وفق الحقائق الموجودة على الأرض، لا تلك التي تدخل في سياق الأوهام.
