الاقتصاد الناجح يرتكز على سهولة الاستثمار
يجب على أي دولة تريد أن تبني اقتصادها بشكل حديث أن تحقق بيئة استثمارية تتميز بالمرونة، والتنافسية، وحرية حركة الأموال وسهولة الحصول عليها.. فالاقتصاد الحديث يعتمد بشكل أساسي على جاذبيته الاستثمارية، ولهذا فإن أي اقتصاد حديث يتمكن من هذه المزايا المذكورة سيكون – حتماً – اقتصاداً قوياً قادراً على اجتذاب الابتكار ورؤوس الأموال ويستطيع احتضان المبادرين؛ ذلك أن المقومات القديمة للاقتصاد، مثل الأرض، وقوة العمل، والمواد الخام، لم تعد بذاتها تشكل عوائق أمام الدول التي تفتقد مثل هذه المقومات، فالأموال تنتقل بسرعة وفي يوم واحد بين دول العالم، والأفكار والابتكارات تبحث عن حاضنات في كل مكان. ولهذا فإن الدول التي لديها حاضنة اقتصادية شاملة من حيث توفيرها بيئة استثمارية قانونية تمويلية جاذبة ستتمكن حتماً من المنافسة العالمية وبناء اقتصاد مستدام، حتى إذا لم تتوافر لها المقومات التقليدية للاقتصاد، فلم يعد ذلك هماً في عالم يرتكز على تعظيم القيمة باستخدام أقل الموارد.
ولقد تنبّهت المملكة إلى هذا الوضع العالمي الجديد فوضعت عدداً من الأهداف لتحسين بيئة الاستثمار حتى تصبح من بين الدول الأكثر قدرة على جذب الاستثمارات العالمية، هذه الأهداف تركزت في مجملها على سهولة الأعمال، فشملت "التجارة عبر الحدود، وشفافية الأنظمة واستقرارها، وسهولة بدء أعمال الشركات، وتفعيل نظام المشتريات والحوافز الحكومية، والنفاذ إلى الأسواق. واعتمدت المملكة في هذا على مؤشرات مقبولة عالمية، فالهدف هو إظهار الاقتصاد السعودي في وضع مقارن بباقي الاقتصاديات في العالم، وهنا تظهر تنافسية الاقتصاد السعودي مع باقي الاقتصاديات العالمية في جذب المبادرين ورجال الأعمال والشركات العالمية للسوق السعودية. التنافس اليوم ليس على الأسواق العالمية ومنافذ البيع وجودة المنتجات، كما كان قبل عقود، ذلك أن عديداً من الشركات العالمية أو ما تسمّى عابرة القارات، استطاعت أن تفرض سيطرتها على الأسواق العالمية، وأن تحرك تفضيلات المستهلكين، وقدرة الاقتصاديات العالمية الناجحة، ليس في إنتاج منتجات مبتكرة تنافس هذه الشركات العابرة للقارات، بقدر ما هو اجتذاب هذه الشركات للاقتصاد لتزرع مصانعها ومنافذها في السوق المحلية، وأن تسهم في بناء اقتصاد معرفي من خلال قدرتها على البحث والتطوير، وبهذا ننتهي إلى إيجاد نمو كبير في الناتج المحلي مع وظائف ذات عوائد متميزة.
ولهذا فإن الخطة التي تبنتها المملكة تعمل على أن تقفز المملكة قفزات واسعة في المعايير الدولية؛ فمثلا ستعمل على تقليص مدة تخليص الحاوية إلى خمسة أيام، ومدة إجراءات بدء النشاط أربعة أيام فقط، وأن تحدد عدد الأيام الفصل في المنازعات التجارية لإنفاذ العقود. كما ستعمل المملكة في خطة إضافية على حل مشكلة انقطاع التيار الكهربائي وتكراره ووسائل مراقبته، ومتابعة أداء خدمات الكهرباء، وشفافية وسهولة معرفة التعرفة الكهربائية، وسعر الاستهلاك الكهربائي.
هذه الخطة الطموحة سيسهم فيها كثير من الجهات الحكومية، وسيكون على وزارة التجارة ووزارة العدل الكثير من الأعباء، لكن هناك نجاحات ملموسة في هذه الطريقة. لقد تعلمنا خلال السنوات الماضية أن المسألة ليست سهلة وليست مستحيلة بقدر ما هي عمل دؤوب ومستمر ومؤسسي.