قادنا الحديث إلى سلوك غريب قامت به مجموعة من الشباب في مكان عام. تحرش الشباب بفتيات كن يمارسن رياضة المشي. عندما جاء رجال الهيئة للموقع هرب أحدهم، وألقي القبض على زميليه. مثل هذه الحوادث نسمع عنها باستمرار، وأصبحت من ضمن ما يخافه رب الأسرة على عائلته ويدفعه لإبقائهم ضمن الأسوار.
هذا في مجتمع كانت المرأة تبيع فيه في الأسواق العامة، وتقدم خدمة التوصيل إلى المنازل دون أن تخاف أن يتجرأ أي شخص لمجرد التلميح لأمر كهذا. أتحدث عن مسافات حضارية في فكر وثقافة المجتمع الذي تحولت فيه العلاقات بمجملها إلى حالة من التنافس والتناحر ومحاولة الوصول إلى كل ممنوع بشكل غير منطقي. إن البناء على ثوابت المجتمع في مرحلة معينة، ومحاولة استجلاب المفيد منها لإعادة ترسيخ ثقافة الثقة والاحترام، يستدعي أن نتعرف على شيء من الماضي الذي غادرناه نحو بيئة وحال مختلفين جدا.
فالتحول الاجتماعي الذي نشاهده مسيطرا اليوم هو نتيجة مجموعة من العوامل التي تشترك فيها أغلب المجتمعات بعد أن تساوت المؤثرات التي يتعرض لها الصغار والكبار في الوقت نفسه. يمكن أن نعزو التغيير إلى سيطرة الثقافة الغربية على وسائل التواصل والاكتشافات والمواد والأجهزة وحتى الملابس وطرق التعامل بين الناس. هذه السيطرة مردها إلى الثورة الصناعية التي سيطرت، فأورثت سرعة التفاعل مع التقنية وغيرت تركيبة المجتمع.
على أن الغرب نفسه يعترف بأن التغييرات التي تعيشها مجتمعاته من السرعة لدرجة أوجدت هوة كبيرة بين مكونات المجتمع السنية. ما يتقبله كبار السن في الولايات المتحدة مثلا مختلف تماما عما يشاهدونه من سلوكيات أبنائهم وأحفادهم.
لكن واقعنا في العالم العربي يفيد بأن الهوة أكبر بكثير مما تعيشه المجتمعات الغربية، وهو أمر لم يحدث في العالم العربي إلا بعد الاحتكاك المباشر مع الحضارة الغربية في منتصف القرن الماضي.
من هنا نحتاج إلى معالجة سريعة للعلاقات الاجتماعية، وتحديد الأدوار الأساسية التي لا بد من وجودها لإيجاد التوازن الذي كان أو استرجاع بعضه. فالكل ليس ممكنا – في اعتقادي. نحتاج إلى إعادة الثقة بين مكونات المجتمع المختلفة وتشجيع قيم احترام القدوات التي فقدناها بسبب عدم تقديرنا لخطورة خطوة من هذا النوع. يجب أن تعود المؤسسات التربوية لأداء دورها المهم بدلا من مراقبة الوضع والبكاء على حليب مسكوب.
