لم تترك قمة الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية في الرياض أي مسألة على الهامش، وشكلت كل المسائل السياسية والاقتصادية محاور فيها، ولا سيما تلك التي تتفاعل على الساحة في الوقت الراهن. كما رسمت قمة الرياض معالم الطريق بصورة أكثر وضوحا، من أجل تحقيق أعلى منفعة ممكنة من هذا التجمع الدولي الكبير، بحيث تشمل كل دولة فيه، كما أن القمة كرست وجود التجمع المذكور على الساحة الدولية، خصوصا في ظل وجود بلدان محورية على الساحة العالمية فيها، تتقدمها المملكة والبرازيل والأرجنتين والمكسيك، وهي بلدان تشكل أركانا في مجموعة العشرين، التي تسيطر (كما هو معروف) على 90 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي. بمعنى أن الدول العربية والجنوب أمريكية التي عقدت قمتها في الرياض، تتمتع بمراكز عالمية عالية الأهمية. وعلى هذا الأساس، فإن المواقف التي اتفق عليها قادة البلدان المجتمعة، تمثل دفعة قوية للعديد من القضايا المتفاعلة وتلك التي تتطلب دفعا جديدا، كما أنها أظهرت بصورة واضحة، مدى الزخم الذي تحظى به السياسات السعودية إقليميا ودوليا. الأمر الذي يمنح هذه السياسات مزيدا من القوة، ويعزز أهدافها التي تصب كلها في المصلحة الدولية. إضافة إلى ذلك، أنها سياسات واضحة بلا نيات مستترة، واعتداءات محتملة. وقد اتفقت معها بلدان شاركت في القمة، تعتبر مواقفها متباينة بعض الشيء حيال بعض المسائل والقضايا المطروحة. وهذا وحده انتصار دبلوماسي هائل، على ساحة كبيرة ومتنوعة بهذا الشكل. كما أنه يعزز المنطلقات التي تعتمدها السعودية في معالجتها القضايا المختلفة، سواء العربية منها أو غير العربية.
فقد أكد البيان الختامي لقمة الرياض الذي اتفق عليه قادة ورؤساء وفود الدول المشاركة على تحقيق السلام العادل والشامل وإقامة الدولة الفلسطينية، والتأكيد على ضرورة التوصل إلى حل سياسي للأزمة في سورية، ودعم مؤسسات الحكومة الشرعية في ليبيا، ودعوة إيران إلى إيجاد حل سياسي للجزر الإماراتية الثلاث، وتشجيع التجارة والاستثمار بين الدول العربية والجنوب أمريكية، وإدانة الإرهاب بكل صوره وأشكاله، والتأكيد على حل سلمي للقضية اليمنية.
كما طالب الإعلان الختامي بتنفيذ القرار الدولي 2216 لحل أزمة اليمن، وأهمية تعزيز التواصل الثقافي والاجتماعي بين الإقليمين. إذاً لقد كانت قمة الرياض واضحة حيال السياسة الإيرانية الخبيثة ولا سيما في المنطقة العربية، حين ضمن القادة المشاركون بيانهم الختامي مطالبة مباشرة لإيران بالكف عن الأعمال الاستفزازية التي تهدد أمن المنطقة واستقرارها. وبماذا طالبوا أيضا؟ طالبوا بأهمية علاقات التعاون بين البلدان العربية وإيران. والحقيقة أن السعودية كانت تدعو إلى هذا التعاون منذ عقود، وظلت أياديها ممتدة إلى الإيرانيين من أجل الاستقرار والازدهار والعمل البناء في المنطقة كلها. غير أن لطهران أجنداتها التخريبية الخاصة التي تصر على السير وفق بنودها إلى النهاية، بصرف النظر عن الخراب الذي تحدثه هنا وهناك، والآلام التي تخلفها في هذه البيئة أو تلك. واتضح على مر السنوات، أن النظام الإيراني ليس عدوا للمنطقة فحسب، بل لبلاده نفسها، من خلال أجنداته المرضية اللئيمة.
القادة الذين اجتمعوا في الرياض قالوها واضحة، لا بد من توقف التدخلات الإيرانية في البلدان العربية، ويجب أن تتوقف عمليات نشر الخراب والفوضى. وهذا ينطبق في الواقع على عدد من البلدان العربية، في مقدمتها سورية والعراق ولبنان واليمن وحتى مصر البعيدة نسبيا، لم تخرج من دائرة التخريب الإيرانية هذه. لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن يكون هناك استقرار في المنطقة في ظل التدخلات الإيرانية هنا وهناك. وعلى هذا الأساس انتصرت قمة الرياض للمواقف السعودية ورؤى الرياض لحل المشكلات المتفاعلة. كما وجهت رسالة لا لبس فيها لطهران، التي لم تقدم منذ أربعة عقود تقريبا ما يوحي بأنها مستعدة لتغيير سياساتها الخبيثة.
إجماليا، فقد مثلت قمة الرياض قوة دافعة لهذا التجمع الكبير، على مختلف الأصعدة، ولا سيما الاقتصادية منها، من خلال اتفاق القادة على حتمية تفعيل الشراكات، بما ينعكس على تدفق الاستثمارات فيما بينها، وتدعيم اتفاقات التجارة، ومنع الازدواج الضريبي، وتبادل الخبرات، وتنسيق الحراك الاقتصادي التنموي بصورة تطرح إضافات تحتاج إليها الدول المنضوية تحت لواء التجمع المشار إليه. إن الوصول بهذه المنطلقات إلى مستويات مقبولة، سيكرس دور الدول العربية ودول جنوب أمريكا أكثر على الساحة العالمية.
