اقتصاد المعرفة .. الإنجازات والتحديات

ونحن نمر بأزمة استمرار انخفاض أسعار البترول، وبالتالي انخفاض إيرادات الدولة.. يجدر بنا أن نستمر في البحث عن موارد جديدة لتنويع مصادر الدخل، ولعل أهم البدائل المطروحة هو تحويل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد معرفي.
ومن المؤسف أن المشاريع الرامية إلى تحويل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد معرفي ما زالت مشاريع تنطلق من جزر منعزلة عن بعضها بعضا، وهي لذلك في أمس الحاجة إلى رزمة من الأعمال الاستراتيجية الرامية إلى الوصول إلى أهداف محددة تنتهي في النهاية إلى الوصول إلى محطات متناغمة لاقتصاد المعرفة.
ويحدونا الأمل في أن خطة التنمية العاشرة تدفع الاقتصاد الوطني نحو المعرفة الجديدة التي باتت خيارا استراتيجيا وحتميا تأخذ به كل دول العالم، وبالذات العالم المتقدم.
إن أهم مرتكزات اقتصاد المعرفة هي المعلومات والتوسع في استخدام التكنولوجيا، وقبل هذا وذاك إصلاح التعليم، ولا يمكن أن نتصور أننا نستطيع أن ندخل بوابة اقتصاد المعرفة من دون تعليم تقني وأساسي جيد وجاد ومتمكن.
ونحن نتابع قواعد الاقتصاد الدولي نلاحظ أن الاقتصاد الدولي يشهد اليوم تغيرا عميقا في هياكله وأنشطته، حيث إن اقتصاد العصر الصناعي تراجع بوتائر متسارعة لمصلحة الاقتصاد الرقمي Digital economy.
ومثلما أحدث التحول من العهد الزراعي إلى العصر الصناعي تغيرات جوهرية في أساليب تنظيم وإدارة النشاط الاقتصادي، فإن التحول إلى اقتصاد المعرفة سيحدث تغيرات كبيرة في أساليب وإدارة النشاط الاقتصادي، وعلى الجامعات ومؤسسات الأعمال أن يستوعبا دروس الاقتصاد الرقمي، حيث إن عصر الإنترنت أوجد فرصا تجارية جديدة لن يكون اقتناصها سهلا إلا إذا توافر لمنشآت الأعمال فكر خلاق وحلول غير تقليدية وإدارة مبدعة تؤمن بالتغيير وتتبنى مستجداته واستحقاقاته.
إن اقتصاد المعرفة يتضمن جميع الأنشطة والعمليات الخاصة بصنع وإنتاج، وتسويق، وتوظيف، وتشغيل، واستهلاك، وإعادة إنتاج المعلومات والمعرفة، ويشمل طيفا واسعا من الصناعات منها صناعات البرمجيات، والإلكترونيات، والاتصالات، ونظم المعلومات وخدمات المعلومات، كما يضم أيضا مراكز الأبحاث، ومؤسسات الفكر، والمكاتب الاستشارية، ومكاتب دراسات الجدوى، ومراكز اللغات والترجمة، ودور النشر والصحف ووكالات الأنباء والإذاعة والتلفزيون، إضافة إلى الأنشطة ذات العلاقة بالجوانب الطبية والبحوث البيولوجية والدوائية، ونذكر على سبيل المثال أن الحق الحصري لنقل البطولات الرياضية على الهواء يدر مليارات الدولارات، كذلك فإن دراسات الجدوى تفرز كثيرا من الشركات ذات رؤوس الأموال الكبيرة، حتى وسائل الإعلام تتعامل بأموال هائلة مقابل خدمات تقدمها في الهواء الطلق.
ونلاحظ في الاقتصاد التقليدي أن قيمة المنتجات تزداد مع الندرة وقلة العرض، بينما يحدث العكس في اقتصاد المعرفة، حيث تنخفض قيمة المنتج المعرفي كلما شاع وأصبح متوافرا.
وإذا كان اقتصاد عصر الصناعة قائما على تطور الإنتاج من الصفر، فإن اقتصاد عصر المعلومات قائم على تطور إعادة الإنتاج وتكرار الإنتاج بالنسخ دون ما حاجة إلى التصنيع من الصفر، فمثلا كل ما ينتجه مجتمع المعلومات من نصوص وبرامج قابل للنسخ وإعادة الإنتاج، أكثر من هذا يمكن أيضا إعادة إنتاج الخبرات، بل إعادة إنتاج الخبراء أنفسهم، عن طريق النظم الجديدة، أما على مستوى الاستهلاك فقد قلب اقتصاد المعرفة العلاقة بين الموارد واستهلاكها - رأسا على عقب - فبينما تنضب الموارد المادية مع استهلاكها كالبترول مثلا، فإن الموارد المعرفية تنمو كلما زاد معدل استهلاكها.
وواضح مما سبق أن التعليم والمعلومات واستخدام الكمبيوتر هي حجر الأساس في اقتصاد المعرفة، كذلك نلاحظ أن الإنترنت بأنشطتها المختلفة أصبحت تتغلغل في كل مكونات اقتصاد المعرفة، ففي مجال الأجهزة والمعدات أصبح للإنترنت نصيب وافر في الحاسبات المكتبية والمحمولة ومعدات الشبكات والحاسبات الخادمة، كما تلعب الإنترنت دور الحاضن للمعلومات بمختلف أفرعه، كذلك تعتبر الإنترنت أكبر أوعية تداول المعلومات واستخدامها ونشرها، وكذلك الحال في مجال الموارد البشرية والتدريب.
بمعنى أن الإنترنت تتغلغل في اقتصاد المعرفة كما تتغلغل الشعيرات العصبية في أجزاء الجسم المختلفة، وتمنح الاقتصاد القدرة على تداول المعلومات بسرعة وسلاسة وكفاءة، إضافة إلى ذلك فإن الإنترنت تضمن توافر معلومات ذات قيمة حقيقية بسرعة كبيرة في الوقت المناسب، ما يسهل اتخاذ قرارات سريعة سليمة ذات تأثير إيجابي في معدلات الأداء الاقتصادي.
لقد صار بالإمكان تكوين وجمع وتخزين ومعالجة وتوزيع المعلومات على نطاق واسع بتكلفة منخفضة لم يشهد لها التاريخ مثيلا من قبل، فالعصر الصناعي كان عصر ديكتاتوريا المعلومات، لأن المعلومات كانت حكرا على الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، بينما حرمت الشركات الصغيرة والعملاء الصغار من فرصة الانتفاع من المعلومات.
أما اليوم فقد أصبح الاتصال إلكترونيا بين منشآت الأعمال ــ في كل أنحاء العالم ــ لأغراض اقتصادية كإبرام الصفقات وتبادل المعلومات والبيانات التي كانت لسنوات طويلة تصنف على أنها "سرية للغاية".
والواقع أن هذا النوع من الانفجار والتوسع في الحصول على المعلومات ما كان ليحصل لولا اكتشاف الإنترنت وتنامي استخداماتها وتطبيقاتها.
إن القرن الحادي والعشرين هو بحق عصر اقتصاد المعرفة أو الاقتصاد الرقمي أو اقتصاد تكنولوجيا المعلومات، باعتبار أن ثورة تكنولوجيا المعلومات حفزت مؤسسات الأعمال إلى انتهاج برامج تعتبر من أهم عوامل تكوين الثروة.
إن هذه المنطلقات في عصر اقتصاد المعرفة هي المنطلقات التي يجب أن يسعى إليها اقتصادنا السعودي الذي ما زال يبحث عن نفسه وسط زحمة من التطبيقات البيروقراطية، والمحاولات ما زالت تائهة بدون وضع استراتيجية ملزمة تضبط إيقاعات الوصول إلى اقتصاد معرفي حقيقي!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي