يوجد في مجتمعنا الكثير من التناقضات، يرجع هذا في أغلب الأحوال إلى ما نراه من تفاوت في السلوك الفردي تجاه مؤثرات مختلفة. يظهر التناقض عندما يتعامل الشخص مع فئات المجتمع سواء كانوا الأبناء أو الزملاء أو الرؤساء أو الجيران, يأتي التناقض الأكبر عندما يسافر الواحد منا خارج البلاد, فتظهر شخصية مختلفة تماما عن كل ما كان يدعو إليه، ويحث الناس لتبنيه من سلوكيات وتعاملات.
يعود الأمر في الغالب إلى التربية التي جعلت كلمة "العيب" المسيطر الأوحد في سلوكياتنا, ونحن جميعا نعلم أن الكلمة فضفاضة, لكنها تضيق أفق التعاملات والعلاقات الاجتماعية. تشكو من هذه المشكلة أغلب جهات الإصلاح والتوجيه المجتمعي, فكلمة "عيب" تدفع بالكثير من الأمور إلى الخفاء لتتضخم وتنتج مخاطر يستغلها كثيرون من المسيئين للبيئة والمجتمع.
نتحدث هنا عن جنح ترتكب, فتخفى عن الناس بسبب تأثيرها في سمعة الفرد أو العائلة, لتظهر في مرحلة قادمة على شكل جريمة. السبب أننا لم نتعامل مع القضية في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة. تستمر مفاهيم العيب في إعاقة الكثير من الحلول المجتمعية، وبالتالي تضخيم المشاكل بناء على معطيات غير منطقية أبدا.
تناول مقطع – لا أشك أنه شوهد من قبل كثيرين - فرحة فتاة بتفوقها في الثانوية العامة, وإعلانها لأبيها رغبتها أن تدرس الطب, شجعت أمها ذلك التوجه وفرحت به, لكن الأب الذي يرى بمنظار مختلف, رفض الفكرة بقوله: "ما عندنا بنات يدرسوا طب". مرد هذا لتعميمات مجتمعية غير عادلة.
أزعم أن هذا من أسوأ مؤثرات هذا المفهوم المسيء للمجتمع بأسره, فمهنة الطب هي أعظم وأهم وأنقى من كل المهن التي يمكن أن يعمل فيها أي شخص, فكيف وصل بنا الحال إلى رفض أن تعمل فيها بناتنا.
كانت أم الفتاة على وشك الوضع, وعندما حدث هذا الجدال, شعرت الأم بآلام الولادة. توجه الأب وزوجته نحو المستشفى, ليكتشف أنه لا توجد طبيبة نساء يمكنها أن تعاين زوجته, ليس هناك سوى أطباء رجال, بسبب وجود الكثيرين من المؤمنين بمفاهيم هذا الأب.
رفض الأب أن يعاين زوجته طبيب رجل, فمن أين تأتي بطبيبات وهو يمارس هذا الهوس ويحلل ويحرم على هواه؟!
