اقتصاد يدار بحكمة ويواجه التقلبات الدورية
لا أحد يشك في أن المملكة تواجه ضغوطا اقتصادية بسبب تقلبات أسعار النفط المستمرة حتى الآن، لكن لا يمكن لأحد أن يتجاهل الرصيد الضخم من الحكمة الاقتصادية التي يتمتع بها من يدير هذا الاقتصاد. ولا يمكن تجاهل ما قامت به المملكة من جهود كبيرة خلال العقد الماضي لتخفيض الدين العام، مع تنويع مصادر الدخل ورفع مستويات الإنفاق الحكومي على مشاريع البنى التحتية والتنموية. ولقد كانت المعادلة صعبة التحقيق عمليا، فكيف يمكن لنا أن ننفق بكل تلك الكثافة، ثم نبني احتياطيات كبيرة، وفي المعادلة نفسها نعمل على تخفيض الدين العام. لكن الذي حصل فعليا هو ذلك التوازن الصعب، فلقد انخفض الدين العام من 660 مليارا في نهاية عام 2002 تمثل 96,9 في المائة من الناتج المحلي إلى 44.3 مليار ريال بنهاية عام 2014 وهو ما يمثل نحو 1.6 في المائة من الناتج المحلي. وقد كانت المملكة حريصة جدا في عملية تسديد الدين العام (المحلي كليا)، فهي وإن كانت قادرة على السداد في فترة واحدة إلا أنها قررت أن يتم التخفيض تدريجيا بنسب لا تتعدى معدل تخفيض 9 في المائة سنويا حتى تضمن عدم إغراق الاقتصاد بالسيولة التي قد تتسبب في اختلالات اقتصادية تصعب معالجتها فيما بعد. فالواقع يشير إلى أن المملكة قد استخدمت تسديد الدين العام من أجل تسيير الاقتصاد ومن أجل ضخ سيولة داعمة للنشاط الاقتصادي والمتزايد والزخم الكبير الذي يشهده الاقتصاد في تلك الفترة ودون أن يتسبب كل ذلك في الإضرار بهيكل الاقتصاد، وهذه الخطة حققت نجاحا كبيرا. ففي المقابل نمت الاحتياطيات لتقترب من حاجز ثلاثة تريليونات، وبلغ معدل كفاية رأس المال للمصارف السعودية (معيار بازل) 17.8 في المائة وهو مؤشر عالمي يعكس هذا قدرة المصارف على مواجهة الصدمات المالية التي من المحتمل أن تواجهها في المستقبل مع العلم بأن أعلى نقطة من معيار بازل هي 8 في المائة. وحقق الاقتصاد أرقاما جيدة فيما يخص توطين الوظائف في الاقتصاد المحلي فقد استطاع القطاع الخاص توظيف أكثر من 900 ألف مواطن ومواطنة في أقل من ثلاث سنوات.
هذا كله يشير إلى حقيقة واحدة وهي أن اقتصادا يدار بكل هذه الحكمة يجب ألا يكون مصدرا للقلق أبدا، ولهذا فإن المملكة ترحب بالتصنيف الائتماني لوكالة موديز moodys العالمية وتثبيتها لتصنيف المملكة السيادي عند درجة ائتمانية عالية AA3 مع إبقائها للنظرة المستقبلية المستقرة stable، فقد استطاعت المملكة الحفاظ على تصنيفها الائتماني المرتفع هذا على الرغم من الضغوط الاقتصادية التي صاحبت انخفاض أسعار النفط والقلق المرتبط بالأسواق العالمية نظرا للأسس المتينة لاقتصاد المملكة وقدرته على مواجهة التقلبات الدورية، ونجاح السياسات الاقتصادية التي تتبناها وتنفذها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود.
لقد استطاعت المملكة اقتصاديا امتصاص القلق المفرط الذي تبناه البعض كنتيجة لانخفاض أسعار النفط متجاهلين قوة الاقتصاد السعودي ومتانته وأنه قائم على أسس متينة جدا وسياسات تصرف حكيمة كما أنها ليست التجربة الأولى للمملكة مع صدمات انخفاض أسعار النفط، فالمملكة تعلمت كثيرا من تجاربها لهذا يدار الاقتصاد دائما بحكمة كبيرة يضمن للمملكة الحفاظ على مكانتها الاقتصادية الكبيرة في العالم وكونها عضوا مؤثرا في مجموعة الدول العشرين، وقد أسهمت المملكة بقوة في استقرار العالم في أزمته المالية في العقد الماضي وهي تتمتع بمصداقية عالية جدا في وعودها، وستعمل ـــ كما هي دائما ـــ على دعم الاستقرار الاقتصادي والسياسي العالمي.