لعل أهم ما يميز العاملين في المجال الطبي أنهم يمارسون مهنة من أشرف وأنبل المهن. تقديم العلاج والبرء لمن ابتلوا بالمرض, والسهر على راحتهم وتحمل ساعات الوقوف ومسافات السير بين العيادات وغرف العمليات والمختبرات وتحمل آلام مشاهدة من يعانون ومن يموتون. كل هذا يشهد بأن الطب هو مهنة الرحمة والعناية والاهتمام.
كما أنها في أغلب دول العالم مهنة المثابرين والصبورين على مراحل الدراسة والتأهيل والاختبارات للوصول إلى مستويات عليا في التخصص. حتى أن الدراسة والتعلم والبحث لا تتوقف ما دام هناك جديد في المجال.
ثم ما تلبث بعض النفوس أن تتعود على المصائب, فيصبح همها البحث عن المال في مجال لا يمانع أحد من إنفاق كل ما يملك فيه علاجا واستثمارا.
لا ضير في أن يرغب الواحد في زيادة دخله من خلال العمل الحر الشريف الإنساني, المهم أن يكون الأجر مقابل عمل يستحقه. هنا يجب أن نتذكر أهمية العناية بالمحتاجين وتوفير الرعاية لهم بوسائل تضمن أن يحصلوا على العلاج بغض النظر عن مستواهم الاقتصادي, وهو جزء من المسؤولية الاجتماعية للمستشفيات الخاصة. ومسؤولية مباشرة لوزارات الصحة التي تمثل جهد الدولة في ضمان صحة كل أفراد المجتمع.
تأتي في السياق قضايا كثيرة, منها ما يحفظ حقوق العاملين في المجال الصحي, ومنها ما يحفظ حقوق المريض, فتبرز الفروق بين المجتمعات في مستوى ضغطها على مكون معين من هذه المعادلة مقابل الآخر.
عندما حدثني ابني عن محاولات كثير من المحامين الحصول على قضايا الأخطاء الطبية في الولايات المتحدة والمبالغ الخيالية التي يحصلون عليها, قارنتها بالطبيب الذي يحاكم هناك الآن لأسباب أخلاقية.
كان الطبيب يوهم مرضاه أنهم مصابون بالسرطان, وأنهم يحتاجون إلى العلاج الكيماوي, وجمع بهذه الطريقة مبالغ تتجاوز الـ 30 مليون دولار ظلما وبهتانا. ليس الضرر المالي هو الأهم في هذه الحالة في اعتقادي, وهو مهم بلا شك هنا. الأهم هو ما نتج عن هذا الإيحاء الخطير بالمرض. يدفع إعلان وجود المرض في أي أسرة إلى حالة من الألم والضغط النفسي على الجميع. كما أنه يؤدي إلى تغيير جذري في المزاج وأسلوب التعامل والحياة. فكيف يمكن لإنسان امتهن وظيفة إنسانية أن يتحول إلى ناشر للألم والمعاناة والإحباط!
