تحتاج بلدان مجلس التعاون الخليجي إلى الوظائف، وهذا الأمر معروف للجميع منذ سنوات، وتعمل بلدان المجلس بالفعل على توفير الوظائف التي تتوازى أولا مع معدلات دخول الخريجين في سوق العمل، وتتلاءم مع متطلبات السوق نفسها؛ لأن دول الخليج العربي لا تزال تعاني بالفعل مشكلة الفجوة بين مخرجات التعليم والتأهيل واحتياجات سوق العمل على المديين المتوسط والبعيد. وعلى الرغم من أن هناك الكثير من المؤسسات التأهيلية والتدريبية والتقنية التي دخلت معترك التعليم في الخليج، إلا أن الفجوة لم تُسد بالصورة المأمولة. ومما لا شك فيه أن مسألة كهذه تحتاج إلى فترة زمنية لن تكون قصيرة، ولكن التحولات الاقتصادية الراهنة على الساحة الإقليمية، تتطلب دفعا أكثر قوة في اتجاه تحقيق الأهداف. وفي دراسة حديثة، أظهرت أن ما بين 60 و70 في المائة من الشهادات الممنوحة لخرجين خليجيين لا تخدم سوق العمل بصورة حقيقية.

إن مسألة التوظيف والبطالة والتعليم، تبقى في كل الأزمنة جزءا أصيلا من الحراك الاقتصادي المحلي العام، وتمثل مؤشرا يرفع أو يقلل من حجم الثقة بهذا الاقتصاد أو ذاك. فحتى في البلدان المتقدمة، تندرج قضية التوظيف وارتباطات السوق بمخرجات التعليم ضمن الأطر الاستراتيجية للبلاد كلها، كما أن المؤسسات التي توفر فرص عمل محلية حقيقية، تحظى برعاية جيدة من جانب الجهات المشرفة عليها، بما في ذلك إعادة النظر في مستوى الضرائب التي تدفعها المؤسسات المشار إليها. وتمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة محورا رئيسا ليس فقط في الأداء الاقتصادي العام، بل في رسم خريطة الإنتاج الوطني لعقود مقبلة. مع ضرورة الإشارة إلى أن هذا النوع من الشركات، لا يزال يعاني في غالبية البلدان العربية وفي مقدمتها الخليجية، رغم التوجهات الحكومية الأخيرة لدعمه.

هناك أكثر من نصف الناتج العالمي يعود إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة، ودور هذه الشركات يتعاظم في مختلف البلدان المتقدمة، كما أنها توفر الوظائف اللازمة استنادا إلى الطلب وليس إلى تكديس الموظفين. ففي اليابان على سبيل المثال، تعتمد شركات هائلة الحجم ومعروفة عالميا على نطاق واسع، في أكثر من 60 في المائة من إنتاجها على الشركات الصغيرة والمتوسطة. بعض المؤسسات تعتمد بأكثر من 90 في المائة على هذه الشركات. ومن هنا، يمكن اعتبار أن الشركات الصغيرة والمتوسطة، يمكن أن تساعد على منطقة الخليج في مسألة إعادة بناء الاقتصادات، وفق القواعد والمستجدات الراهنة، خصوصا إذا ما عرفنا ارتفاع معدلات البطالة في بعض بلدان الخليج في أوساط المواطنين.

ووفق مركز التجارة الدولي، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تحتاج في الواقع إلى 1.6 مليون وظيفة بحلول عام 2020، الأمر الذي يطرح ضرورة وجود خطة "خمسية" ما لتوفير هذا العدد من الوظائف، علما بأن التوظيف الحكومي لا يمثل الحل المثالي، خصوصا إذا لم تصل الحالة التشغيلية في الخليج لمستوى متوازن بين طلب سوق العمل "الحكومي والخاص" ومخرجات التعليم. ببساطة يمكن في سياق التشجيع الحكومي الراهن في المنطقة للشركات الصغيرة والمتوسطة، أن تدفع في اتجاه قيام هذه الشركات بدورها في عمليات التوظيف المطلوبة في المرحلة المقبلة. يضاف إلى ذلك ضرورة إطلاق برامج تدريبية وتأهيلية مكثفة في هذا المجال، لإعادة الخريجين والشباب لسوق العمل بصورة أكثر منطقية.

والأهم أيضا أن يكون للقطاع الخاص الدور الأكبر في المستقبل، ليس فقط من ناحية التوظيف المحلي، بل أيضا ضمن نطاق الاستراتيجية الساعية لإيجاد بيئة اقتصادية أكثر استدامة، وأكبر قوة في مواجهة التحديات "بل حتى المفاجآت" التي تحدث دون سابق إنذار.