تأتي "الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة" في المملكة، في سياق الهيئات الجديدة والمتجددة الداعمة للتحول الاقتصادي في البلاد. هذا التحول تسارع في الأشهر القليلة الماضية، لأسباب تتعلق بالتصحيح التاريخي الحاصل في السوق النفطية؛ لكنه في الواقع بدأ في السعودية منذ سنوات، من أجل دعم خطوات التنويع، وتكوين اقتصاد مرن يحاكي الاستحقاقات والمستجدات والمفاجآت. دون أن ننسى، أن المتغيرات الاقتصادية باتت منذ ما بعد الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت عام 2008، جزءاً أصيلاً من الحراك الاقتصادي العالمي. التحول الاقتصادي السعودي، يبقى أكثر ضرورة الآن من أي وقت مضى، وهذا يتطلب تمكين القطاعات الموجودة أساساً، وابتكار قطاعات أخرى مساندة، وتدعيم آفاق التشريعات والقوانين المرنة التي سنت في السعودية في السنوات الماضية.
ليس جديداً أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تعد العمود الرئيس لأي اقتصاد بصرف النظر عن مكانته عالمياً. فهي في البلدان المتقدمة تشكل 70 في المائة من إجمالي الحراك العام، وفي المملكة، على وجه الخصوص، تصل نسبة هذه المنشآت إلى 99 في المائة. صحيح أنها تقف عند هذا الرقم من حيث العدد، لكن مشاركتها لا تزال دون مستوى أعدادها، على الرغم من الإجراءات الكثيرة التي اتخذت في البلاد على مدى سنوات، لوضعها ضمن المحور الرئيس للإنتاج. والقطاع منتج، إلا أنه يحتاج إلى التشجيع المطلوب في كل الأوقات، خصوصاً أنه لا يزال في مرحلة التكوين. الهيئة التي قرر مجلس الوزراء إنشاءها لاحتضان القطاع المشار إليه تأتي في الوقت المناسب، ولاسيما أنها تلقى رعاية من أعلى هرم الحكم في البلاد.
هناك مستجدات اقتصادية واجتماعية ستظهر حتماً في السنوات الماضية، تتعلق بصورة خاصة بتوظيف المواطنين، وهذه مسألة تعانيها أكثر الدول تقدما في العالم. ومما لا شك فيه أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة، لن تسهم فقط في رفع معدل الناتج المحلي؛ بل ستولد مزيداً من الوظائف وتطرحها أمام أولئك القادمين إلى سوق العمل. وإذا ما نظرنا إلى الدعم الذي خصص لبرنامج "كفالة" لتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، الذي وصل إلى 10.7 مليار ريـال في ثماني سنوات، فإننا نستطيع أن نرى علامات النتائج الإيجابية الكبرى في هذا الصدد، من خلال وجود هيئة بهذا المستوى، تدفع لتحقيق الهدف نفسه. والحق أن برامج تحفيز هذا القطاع لا تتوقف في المملكة. ففي خضم عمل برنامج "كفالة"، أطلقت الحكومة عام 2011 برنامج "مسارات"، وكلها تصب في المصلحة العامة لهذه الشركات ـــ المنشآت.
لا شيء أفضل من دفع كل المؤسسات في المملكة "بصرف النظر عن حجمها"، للمشاركة المباشرة في الناتج المحلي الإجمالي. وفي ظل وجود الهيئة المشار إليها، ستتعزز الآليات الاقتصادية والإنتاجية المتوافرة في السعودية.
كل ما يجري حالياً، هو إنشاء اقتصاد جديد آخر مستدام، يتعاطى مع المتغيرات بمرونة وسلاسة. والاقتصاد المستدام الضامن، يعني ألا تكون هناك ثغرات في أي آلية من آليات الإنتاج. والمنشآت الصغيرة والمتوسطة تبقى محوراً قابلاً للنهوض في كل الأزمنة، وفي هذا الوقت بالذات بات دوره محورياً. والواضح أن الحكومة في المملكة، تمضي قدماً في هذا المجال، ضمن نطاق الاستراتيجية العامة التي وضعتها منذ سنوات، وهي بذلك تدخل مزيداً من روافد القطاع الخاص بكل أحجامها، إلى قطاع الإنتاج المحلي للبلاد كلها.
البلاد تحتاج حقاً إلى مزيد من الوظائف؛ بل منطقة الخليج العربي بأكملها في حاجة إلى وظائف جديدة، خصوصاً إذا ما علمنا أن حاجتها تصل إلى 1.6 مليون وظيفة بحلول عام 2020. إنه رقم مرتفع، ولكنه حقيقي.
