تجارب استراتيجية التوسع في الأسواق الغامضة

تستند الاستراتيجية الجيدة إلى مبدأ تحليل المخاطر والمكاسب المحتملة، ولكن ماذا يحدث عندما يكون السوق مبهما ومن الصعب فهم المخاطر المحتملة؟
كان العنصر الأساسي الذي حدد نجاح أو فشل شركات التجزئة الغربية في آسيا، هو مدى قدرتها على إدارة الأمور المبهمة. استهلت هذا النمو شركة كارفور في منتصف الثمانينيات، تلى ذلك نجاح شركات مثل وول مارت، تيسكو، أوشان، ومجموعة كازينو في التسعينيات حيث انفتحت البلدان الآسيوية تدريجيا نحو التوجه إلى الاستثمار الأجنبي المباشر. وكانت الأنظمة والبيئة الاقتصادية في تلك الفترة مرنة، تحّول فيها سلوك المستهلك الآسيوي نحو الشركات الغربية. كما وجب على شركات التجزئة دراسة السوق من تلقاء أنفسها، في ظل عدم قدرة الاستشاريين على تقديم دراسات معتادة عن حالة السوق. تعلّمنا من هذه العملية ثلاثة دروس تنطبق إلى حد كبير على الواقع الحالي.

تحديد أهداف واضحة
أولا، وضع أهداف واضحة أمر حاسم لتفادي الحصول على نتائج غير مرغوبة. على سبيل المثال، عند دخول "كارفور" السوق التايواني كان لديها هدف واضح، ألا وهو تقديم قيمة فريدة من نوعها من خلال جعله المكان الذي يوصى به لنوع معين من المنتجات. وبطبيعة الحال من المُكلف تحقيق هذا الهدف. وعلى النقيض لم يكن لدى مجموعة كازينو هذا الوضوح منذ البداية، وترددت ما بين أن تكون رائدة من ناحية المنتج الذي تقدمه وبين حماية ربحيتها. وأدى عدم قدرتها على حل هذا الالتباس إلى انسحابها من السوق في 2006، في حين لا تزال "كارفور" لاعبا رئيسيا في سوق تايوان.
نستخلص من ذلك، أنه في بيئة نائية وغامضة، لا يجب أن يتم تنفيذ الاستراتيجية من خلال مبدأ "السيطرة والتحكم". وينبغي توكيل المهمة لأشخاص قريبين من السوق بدلا من ذلك. ففي ظل عدم وجود أهداف واضحة ستتفاقم حالة الغموض بسبب عامل المسافة.
الاحتكاك المباشر بالسوق
ثانيا، تأسيس إطار عمل واضح من شأنه أن يقلل من الغموض إلى حد كبير. وبما أن المفهوم التقليدي للذكاء التسويقي لم يكن موجودا آنذاك، قرّرت "كارفور" أن تقترب مباشرة من السوق والثقافة المحلية. فخلال الأشهر الستة الأولى عمد التنفيذي المسؤول في الشركة إلى استخدام وسائل النقل العام، وتجربة المأكولات في الشارع وزيارة الناس في بيوتهم. ساعده هذا النهج على مراقبة ما يخزنه المستهلكون المحليون في منازلهم والأساليب التي يستخدمونها في الطهي. ففي ظل عدم انتشار أجهزة التبريد ومن دون أجهزة المايكروييف يفضّل التايوانيون الأطعمة الطازجة. وباحتكاكه بالأسواق المحلية حمى الشركة من الفشل. وأصبح أسلوب تسوق النساء واختيارهن المنتجات بشكل دقيق، والاهتمام البالغ بجودة المنتج، على قائمة أولويات المسؤولين التنفيذيين في "كارفور".
أثبتت هذه الملاحظات المطوّلة مدى أهميتها في تحديد استراتيجية "كارفور" الشاملة: النضارة والجودة أكثر أهمية من السعر. وبالتالي، فإن أي شيء من شأنه أن يؤثر في جودة المنتج قد يشكل تهديدا على تنفيذه هذه الاستراتيجية، سيقود إلى استراتيجية مبهمة.

الحفاظ على المرونة
ثالثا، الإبداع في التنفيذ أمر أساسي لمواجهة تهديدات عمليات التشغيل في بيئة مبهمة. على سبيل المثال، طّورت "كارفور" نهجا مبتكرا للغاية بالاعتماد على "دمج المناهج المتعارف عليها" لسلسلة التوريد الخاصة بها. فعادة ما يقوم تجار التجزئة بالتحكم في الموردين بشكل مباشر أو يكون طابع العلاقة تجاريا بحتا. ولكن "كارفور" انتهجت أسلوبا مختلفا، بحيث لم تكن عملياتها متكاملة أو مستقلة بشكل تام على حد سواء. وكانت الغاية إيجاد العلاقة المثلى بين الحصول على المعلومات والرقابة.
على سبيل المثال، نظمت الشركة برنامجا خاصا للتعاون مع جمعية المزارعين في ماليزيا، حيث كان نظام توزيع الخضار التقليدي عبارة عن شبكة غامضة مليئة بالوسطاء، فعادة ما يقوم جامع المحاصيل بشراء المنتجات الطازجة من المزارعين المحليين، ومن ثم بيعها لتاجر أكبر، إلى أن تصل أخيرا سوق الجملة. وكان يتم تقاضي نسبة 20 في المائة زيادة في كل عملية بيع. أعطت الحكومة الماليزية "كارفور" أراضي لزراعة الفواكه والخضراوات وشجعت بعض المزارعين للانضمام إلى المشروع. في المقابل، وافقت الشركة على توفير المهندسين الزراعيين للفلاحين وضمان نظام تسعير شفاف. وعرضت "كارفور" على المزارعين سعرا أعلى لشراء المحاصيل، ولكن أقل من سعر سوق الجملة. وقدمت الشركة أيضا شاحنات وسائقين، واستشارات في التغليف، وبنت محطات الغسيل للمزارعين، بحيث يتسنى لهم غسل الخضراوات وتعبئتها في المزرعة داخل صناديق بلاستيكية ليتم عرضها لاحقا في المتاجر.
ساعد ذلك على تقليص العمليات التقليدية بمعدل النصف، ما انعكس على جودة المحصول وزيادة عمرها الافتراضي، وصبّ ذلك في مصلحة "كارفور" التي أحكمت سيطرتها على سلسلة القيمة دون الحاجة إلى الاندماج مع الموردين.

دمج المناهج المتعارف عليها
أصبح أسلوب "دمج المناهج المتعارف عليها" ميزة تنافسية في التعامل مع تقلبات الإنتاج، مما عزز التعاون مع الدولة الماليزية. وعند زيارة جاك ديفوري مؤسس "كارفور" لرئيس جمعية المزارعين الماليزي، وجد برنامجا يعرض على شركته منصة للنمو في ماليزيا ودول أخرى في المنطقة. الجدير بالذكر أن الشركة تجني اليوم ما يعادل 1.5 مليون يورو من مبيعاتها في آسيا. وبطبيعة الحال، ألهم نجاح هذا النموذج العديد من تجار التجزئة الآخرين، بداية من وول مارت في الصين إلى تيسكو لوتس في تايلاند. وتم نشره من قبل شركات تجزئة في دول يكون له فيها أثر اجتماعي كبير مثل سريلانكا.
تتلف اليوم نسبة 30 في المائة من المحاصيل في الهند في مرحلة ما قبل التوزيع. وقد يساعد استخدام أسلوب " دمج المناهج المتعارف عليها" على التخفيف من حدة هذه المشكلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي