إذا أردت أن تعرف عن نجاح مؤسسة .. فاسأل عن الكرسي الدوار

- "أؤكد أن القصة حقيقية"
في القرن الخامس قبل الميلاد قال الرياضي الإغريقي فيثاغورس: "لا شيء بهذا الكون لا صلة له بالأرقام".
كل شيء في الدنيا يدور، بل كانت الضريبة الكبرى التي دفعها العلماء من أيام فيلسوفنا العربي الكِنْدي إلى محنة جاليليو قولهم إن الأرض تدور. خطا العلماء على دروب الشوك والآلام والعذابات التي منها الحرق كما صار لبورنيو بوسط العاصمة الإيطالية قبل أن يعترف جاليليو للكنيسة بـ20 عاما أن الأرض لا تدور وهو ترتعد فرائصه خوفا من جلاوزة الكنيسة الذين لا يعترفون أن الأرض تدور حول الشمس.. وهو ينقط غيظا في قرارة نفسه يقول: "الأرض تدور غصبا عنكم".
إلا كرسي الشاب حسام الدوار فهو نقَضَ أو جدد، أو أعطى بعدا جديدا للأرقام والدوران معا، كما أعطتنا نظرية ألبرت أينشتاين بعدا رابعا في الزمن. طيب ما سر هذا الكرسي الدوار الذي بزّ كل الفلاسفة الكبار وحطم نظرياتهم؟ ما سر الكرسي الدوار الجبار الذي كان يجلس عليه حسام في يوم من الأيام؟ وإن كان هذا الكرسي بقدرات عبقرية فكيف يكون حجم وعبقرية المؤسسة التي في مبناها هذا الكرسي، لا بد أن شأنها عظيم جدا، وإن كانت بهذه العظمة فلا بد أنها ستنقل كامل البلاد من عظمة تخصصها إلى مسافات متقدمة بين صف الدول.
حسام شاب متفوق جدا، وعمل في هذه المؤسسة ولفتت عبقريته وذكاؤه مديريه فانتقل من مكان لمكان، وتسلم مهاما كبرى، طبعا لم يعطوه أموالا ولا ميزات تقابل ذكاءه النادر، وإن كان ذكاؤه لم يسعفه لما عُرض عليه راتبٌ خارج مؤسسته، ومديروه يعلمون، أضعاف راتبه عندهم إلا أنه لم ينتقل، وطبعا لم يحرك هذا شعرة في خزانة المؤسسة التي يخلص لها. طلب يوما حسام من مديره أن يعطيه يوما واحدا دون راتب ليقدم اختبارا مهما في تخصصه، يوما واحدا سيركب به الطائرة صباحا ويعود مساء، ولم يسمح له. فتعثر أن ينتقل لمستوى أعلى في مهنته وتخصصه القائم على التطور والتقدم السريعين، والشهادات الفائقة الدقة لأنها ترصد أرقاما تغير اقتصاد العالم. واتُخذ قرار مهم جدا لرفع معنويات وحماسة حسام للعمل مع أنه مجتهد بطبعه، على أن المؤسسة بضميرها الإداري أصرت على تقدير جهوده الاستثنائية، فأعطته كرسيا دوارا "يجنن" وبقيمة طائلة قيل إنها تاخمت حدود الستمائة ريال، وتروني أقول "قيل" ولم أجزم.. لهول المبلغ!
المهم أن حساما استقال وذهب للعمل ببلدٍ أجنبي عريض طويل ولما جاء الاختبار نفسه في مدينة تبعد عن عمله مسافة تقتضي الطيران ذهب لمديره بذلك البلد الأجنبي يطلب يوما إجازة يقدم فيه امتحانه المهم في مسيرته المهنية وهو يرتعش خوفا أن يرفض كما رفض ذاك المدير بمؤسسته الوطنية، وفوجئ حسام وطارت عيناه من كهفيهما لما رد عليه المدير: "نو، نو، يا حسام، يوم واحد فقط لا يكفي. خذ أسبوعا براتب مدفوع والشركة ستتكفل بتذاكرك وسكنك"!
كي أنهي القصة بالفاصل الدرامي المقصود، عاد حسام فرحا يحمل أكبر الشهادات العلمية والأكاديمية فخورا سعيدا لبلده، فإذا به يتلقى مكالمة من تلك المؤسسة:
- أهلا حسام
(وظن حسام أنه سيبارك له التفوق) ولكن..
- يا حسام ترى أنت ما رجعت الكرسي الدوار بنفسك للمستودع، ولا بد أن تتحمل قيمته لأننا لم نجده بالجرد.(!)
الجميل بالقصة أن هذه المؤسسة الرائدة التي نأمل أن تنهض بأحد مرافق اقتصادنا أرسلت له لاحقا، وأقول هذا للإنصاف:
"الأخ حسام، تبين لنا بعد خصم الاستهلاك أن الباقي عليك فقط 200 ريال من قيمة الكرسي".
وفرح حسام، وأراد أن يدير جسمه ثم تذكر أنه لا يجلس على كرسي دوار!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي