مصلحة الوطن .. والقضايا السياسية الخارجية

في السابق، كان أكثر ما يحذر الآباء أبناءهم منه هو الحديث في السياسة وكل ما يتعلق بها أو يؤدي إليها، وكان التهويل والتخويف يردع الناس عن الحديث في السياسة أكثر مما تردعها الحدود والأعراف الرسمية التي كانت تضيق دائرة تداخل المجتمع بالسياسة في الوطن العربي، وخصوصا في دول الخليج. المتأمل في تاريخ الإنسان العربي الحديث ــ أي الـ 50 سنة الأخيرة ـــ يستطيع تفهم هذا الفزع والخوف من السياسة والدخول في دهاليزها، فتاريخ العراق ومصر وسورية ودول عربية أخرى كثيرة مملوء بقصص السجون والمعتقلات والانقلابات العسكرية والمدنية.
اليوم وبعد تمكين الناس من التعليم وتعدد موارد المعلومات والكتب والأبحاث اتسعت رقعة الاهتمام الشعبي بالسياسة وشؤونها، وعلى الرغم من ضيق دائرة المشاركة السياسية في وطننا العربي الذي تمزقه الحروب الطاحنة وتحيط به أنهار الدماء، إلا أن وعي الناس بأهمية وضرورة الإسهام في الشأن العام أصبح واضحا وجليا، وخصوصا بعد الثورات العربية أو الربيع العربي أو الخريف العربي سمه ما شئت.
إذا نحن شعوب حديثة العهد بالسياسة وشؤونها ودهاليزها، أو بالأحرى نحن ما زلنا في مرحلة المراهقة السياسية.
من ينظر للعالم من حوله يكتشف بسهولة أن السياسة ليست وسيلة لإحقاق الحق أو إبطال الباطل، بل هي وسيلة لتحقيق مصالح معينة عبر تنازلات أو ضغوط يتبادلها أطراف نزاع المصالح الاقتصادية والسلطوية لا أكثر ولا أقل. الحق بالنسبة لطرف ما قد يكون باطلا بالنسبة للطرف الآخر، وهذا كله ليس له علاقة بالحق الحقيقي أو الباطل الحقيقي، وليس له علاقة بالدين أو المذهب أو الأيدولوجيا، بل له علاقة مباشرة بمصالح هذا الطرف التي قد تؤثر سلبا في مصالح ذلك الطرف لا أكثر ولا أقل.
المشكلة التي نواجهها اليوم ليست في السياسة أو التعاطي السياسي، المشكلة التي نواجهها اليوم تكمن في نقطتين. النقطة الأولى أن معظمنا قوى متفرجة، ليس لها إسهام فيما يحصل، لكننا نساهم في تفصيح هذه الأحداث من وجهة نظرنا التي تحددها خلفياتنا الاجتماعية والاقتصادية والدينية، لكننا نتعاطى هذا التفصيح عبر عصبياتنا العرقية والاجتماعية. النقطة الثانية هي تسييس الدين أو ركوب الدين لتحقيق أو التأصيل للمصلحة السياسة، وهذا يسهل على من يستغل الدين غسل الأدمغة وشراء الولاءات بالمجان.
قد تكون هاتان النقطتان مرحلة طبيعية من مسيرة الشعوب، إلا أن ما وصلنا إليه اليوم من قتل على الهوية وعلى المذهب وعلى الدين وعلى العرق أمر في غاية الخطورة، وهو كما يبدو يسير دون رادع حقيقي يوقف هذا النزيف المجنون. الأمر المهم أن اختلاف وجهات نظرنا تجاه القضايا السياسية الخارجية ليس مدعاة للتراشق والتخوين والوعيد، لأن هذا أمر بدهي ومنطقي. الأمر المهم الذي يجب أن نتقارب حوله ونسعى جاهدين للاتفاق حوله هو مصلحة وطننا، أما القضايا الخارجية فهي مجال مفتوح للنقاش وتشريح وجهات النظر دون توتر أو شيطنة لأي طرف أو رأي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي