Author

في الليلة «الظلماء» يفتقد «الرأي العام»

|
على طريقة الشاعر العربي "وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر"، فإنه "في الليالي الظلماء للاستدامة يفتقد الرأي العام"! وإن كان قد مضى عقد من الزمان على دخول مصطلح "الاستدامة" إلا أن قضايا الاستدامة، التي تأخذ حيزا كبيرا من اهتمام الرأي العالمي لا تكاد تشم رائحتها في عالمنا العربي. ويعد الرأي العام، الذي يمثله القانونيون والأكاديميون والناشطون ومؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام اللاعب الرقم "واحد" في جميع مجالات الأعمال التجارية إذ يضع المزيد من الضغوط على المصنعين والمسوقين والمشرعين في الدول المهتمة بالاستدامة لسن تشريعات تهدف إلى تعزيز الاستدامة وحماية البيئة وحقوق الإنسان والمستهلك. كما تعمل مراكز أبحاث متخصصة على تعريف الاستدامة للمجتمع وتوفير أبحاث جديدة لإطلاع الجمهور والرأي العام على آخر المستجدات في هذا المجال، وقياس رأيهم ومدى الطلب على السلع والخدمات المستدامة إضافة إلى تقديم أبحاث للمنظمات التي تسهم في صناعة القرار والسياسات المستدامة في تلك الدول. إن أقرب مثال على قوة الرأي العام العالمي فضيحة تلاعب "فولكس واجن" التي كشفها المجلس الدولي للنقل النظيف، وهي منظمة غير ربحية مستقلة، من خلال قياس آثار انبعاثات الكربون في سيارات الديزل وذلك حسب طلب وكالة الحماية البيئية، التي صعدت القضية على مستوى العالم لدرجة تهديد صناعة السيارات الألمانية وإسقاطها من عرش التفوق في قطاعها، فيما باتت التغيرات المناخية على رأس أولويات الاستدامة في شركات العالم نتيجة لهذا التصعيد. في المقابل لم تخرج جامعاتنا ومراكزنا البحثية وكراسي البيئة أو المنظمات ذات العلاقة بأي قضية تكشف ممارسات سلبية في الأعمال التشغيلية أو الإجرائية أو الصناعية، لدرجة تشعرك أننا نتصدر قائمة معايير الحرص البيئي! فيما تنطبق مقولة الأديب والسياسي اليوناني سوفوكليس: "كل إنسان يمكنه رؤية الأشياء البعيدة ولكنه أعمى عما هو قريب" على واقع الكثير من وسائل الإعلام المحلية، ففي حين أن صفحاتها تعج بالمواد التنظيرية التي تتحدث عن أهمية الاستدامة إلا أنها في قضية "فولكس واجن" اكتفت بالنقل من وكالات الأنباء وكأن الموضوع لا يعنينا بتاتا مع أن المملكة تعد من أهم المستوردين للسيارات الألمانية! وعلى الرغم من خيبة الأمل تجاه "حالة البرود" التي تنتاب الرأي العام في بلادنا الذي غالبا ما يأتي على شكل "ردة الفعل" أو "ضميرا مستترا" تجاه قضايا الاستدامة التي تقع على هامش الوعي الوطني! إلا أن النصف المملوء من الكأس يقول إنه على الرغم من وجود "الاستدامة" ضمن المواضيع الوطنية في دولة متقدمة كالولايات المتحدة، إلا أن ذلك الاهتمام لم يولد أو يستحدث من العدم، بل كانت مسألة هامشية حتى أواخر الستينيات الميلادية، حين تصاعدت المخاوف العامة نتيجة ارتفاع نسب التلوث البيئي، وهو ما حدا بعلماء البيئة والناشطين والأكاديميين والمسؤولين في الوكالات البيئية، وبدعم من وسائل الإعلام، بالضغط لحماية البيئة وباتت السياسات الخضراء نواة الأعمال في الشركات التي تسعى لتحقيق الميزة التنافسية في عصر الاستدامة، وهو ما يعني أننا نسير للحاق بركب الاهتمام العالمي بالاستدامة ولكنها خطوات تحتاج إلى الركض أكثر من "المشي" فالتهديدات البيئية لم تعد مسألة تحتمل رفاهية "التفكير".
إنشرها