Author

إدارة الفزعات

|
جميع الأسواق بلا استثناء تتغير بشكل مستمر، فيدخل منافسون ويخرج آخرون، يخرج قطاع كامل من السوق ليحل مكانه قطاع آخر، كما هو الحال في قطاع الاتصالات وقطاع التكنولوجيا. ولهذا، تحتاج الإدارة في أي شركة مهما كان حجمها للتخطيط للفترات المستقبلية. إلا أن كثيرا من الإدارات تتعامى عن أهمية التخطيط وتجنح للإدارة بأسلوب الفزعات، أي مواجهة المشاكل عند حدوثها، ومحاولة حلها حلولا آنية. السؤال المهم: ما الأسباب التي تجعل الإدارة تهرب من التخطيط للمستقبل؟ هناك أربعة أسباب رئيسة تشكل عوائق أمام إدارات الشركات وتعميها عن أهمية التخطيط. السبب الأول عدم إدراك التغير المستمر للبيئة المحيطة بها، وهذا يحدث بكثرة في الشركات العائلية التي يزيد عمرها على 30 عاما، إذ إن معظمها ما زال تحت إدارة الجيل الأول أو الجيل المؤسس، ويعود هذا التعامي عن وضع الخطط لعدم إدراك هذا الجيل المؤسس ارتفاع مستوى التذبذب في السوق، فالسوق ليست كما كانت قبل 30 عاما، سوقا مستقرة محدودة المنافسة وقابلة للنمو بشكل رتيب، أضف إلى ذلك التغير الجذري في الأنظمة والقوانين المنظمة للسوق. الأسواق اليوم تتغير بشكل سريع وراديكالي، ومواجهة هذه التغييرات بالتحفظ تخرج الشركة من نطاق المنافسة. السبب الثاني الذي يشكل عائقا عن التخطيط والجنوح لإدارة الفزعات هو انشغال الإدارة بالعمليات اليومية، وهذا عادة ما يحدث في المنشآت الناشئة الصغيرة، والفردية منها على وجه الخصوص، فطبيعة هذه المنشآت محدودة في مواردها البشرية العالية المهارة، فتكون الإدارة مكونة من شخص واحد أو شخصين يقضي جل وقته في حل المشاكل ويخرج من مشكلة ليقع في أُخرى، دون الالتفات إلى أن التخطيط المسبق للمستقبل قد يجنبهم بعض هذه المشاكل أو على أقل تقدير يجعلهم على علم بالعقبات أو المشاكل التي قد يواجهونها. السبب الثالث ضعف الإدارة المالية للمنشأة، فجميع أنشطة وأقسام المنشأة تصب في مكان واحد وهو الإدارة المالية، والكثير هنا يخلط بين المحاسبة التي وظيفتها إثبات ما حدث من عمليات المنشأة، وبين الإدارة المالية المسؤولة عن وضع الميزانيات المستقبلية ودراسة قوائم التدفقات النقدية وطبيعتها. الإدارة المالية هي التي تستطيع ربط جميع أنشطة المنشأة لتحقيق أهدافها الاستثمارية، ومن خلالها فقط تستطيع تكوين رؤية صحيحة وحقيقية عما تواجهه المنشأة من مشاكل حالية وما يمكن أن تواجهه من مشاكل في المستقبل. السبب الرابع هو ضعف أداء مجلس الإدارة، وهذا السبب أكثر تأثيرا في الشركات الصغيرة، فبدلا من أن يكون لمجلس الإدارة دور فاعل في التخطيط لمستقبل الشركة، يتقلص دوره لمشاركة الإدارة التنفيذية مهامها التفصيلية، أو العكس، أن يكون المجلس مجلسا صوريا فقط، يجنح أعضاؤه للفرجة وعدم المساهمة في وضع الخطط الاستراتيجية للشركة، وهذا قد يكون بسبب ضآلة حجم الشركة بالنسبة لهم، أو لعدم إلمامهم بصميم عمل الشركة أو السوق التي تستهدفها الشركة. هذه الأسباب تجعل إدارة الشركة عبارة عن إدارة فزعات، أي أنها لا تستطيع أن تتوقع المشاكل التي يمكن أن تواجهها في المستقبل، وتسهم هذه الأسباب في فشل الشركة ـــ لا سمح الله ـــ أو استمرارها بشكل ضعيف ومتضعضع.
إنشرها