قصة الدخول الأول للملك عبدالعزيز إلى الرياض .. زادهم التمر وسلاحهم 6 بنادق

قصة الدخول الأول للملك عبدالعزيز إلى الرياض .. زادهم التمر وسلاحهم 6 بنادق

تحدثت في مقالة سابقة عن مخطوطة "تاريخ عبدالعزيز بن أحمد السديري"، وعرّفت بها وبمؤلفها، وفي هذه المقالة سأورد نصا تاريخيا مهما ينقله المؤلف عن الملك عبدالعزيز، وقد سمعه منه مباشرة، وهو يتحدث عن قصة دخوله الأول للرياض عام 1318هـ، أثناء معركة الصريف، وفي هذه الرواية معلومات جديدة لم ترد في المصادر التاريخية.
ومن المعروف أن الإمام عبدالرحمن الفيصل وأولاده ومجموعة من آل سعود غادروا "نجد" بعد معركة حريملاء عام 1309هـ، وتنقلوا بين الصحراء وقطر والبحرين، حتى استقر بهم المقام في الكويت عدة سنوات. وفي عام 1318هـ قاد أمير الكويت الشيخ مبارك الصباح جيشا كبيرا لمحاربة عبدالعزيز بن متعب بن رشيد، وسار الشيخ مبارك بجيشه حتى وصل القصيم، وهناك جرت معركة الصريف، التي انتصر فيها ابن رشيد انتصارا ساحقا.
كان الإمام عبدالرحمن، وأولاده: عبدالعزيز ومحمد وسعد وسعود ضمن الحملة العسكرية التي قادها الشيخ مبارك الصباح، إلا أن الملك عبدالعزيز لم يواصل الطريق معه إلى القصيم، وقرر قيادة مجموعة، ليذهب بهم إلى الرياض ويستردها.
وفي المخطوطة المشار إليها أعلاه ينقل المؤلف عن الملك عبدالعزيز قصة استيلائه الأول على الرياض، ثم خروجه منها.

عبد العزيز يتحدث

ما سأورده الآن بين علامات تنصيص هو ما نقله المؤلف عن لسان الملك عبدالعزيز، وسأورد النص بالرسم الإملائي الذي كتبه المؤلف، باستثناء همزات القطع التي يكتبها أحيانا كهمزة وصل، والتاء المربوطة، التي يكتبها أحيانا كهاء بدون نقطتين، فقد عدلتهما. وما لم يرد بين علامات تنصيص فهو صياغتي للأحداث التي وردت في المخطوطة خارج الفقرات التي نقلتها.
يبدأ الحديث بقول الملك عبدالعزيز "خرجنا صحبة ابن صباح، بدون أن يكون معنا مؤنة خاصة بنا وبرفقانا ما عدى التمر"، ثم يواصل الملك عبدالعزيز كلامه مبديا تضجره من بعض ما حدث، وشكوكه التي ساورته بعد تفكير عميق، ثم يجتمع بوالده الإمام عبدالرحمن وحدهما، بعيدا عن الناس، ويصارحه بما دار في خلده، ويعرض عليه ثلاثة أمور، أحدها أن يذهب إلى الرياض، ويقول "لكي أعرف الرياض وأهلها، وأتصل بأحرار أهالي نجد. فإن انتصر ابن صباح، وإذا نحن قابضين على المركز الذي لا نسلمه إلى.. بأية حال، وإذا انهزم ابن صباح، وهذا الذي أتوقعه، تصرفت حسب الظروف، وكسبت معرفة البلاد ومسالكها". وقد فضل الإمام عبدالرحمن هذا الخيار، واستأذن له الشيخ مبارك على الفور، ثم ذكر الملك عبدالعزيز أن والده نظر له نظرة إكبار وتقدير، ثم يقول إنه طلب من والده أن يصطحب معه إخوانه، ويقول "لأنني محتاج إلى وجود محمد، وخشية على سعد وسعود أن يؤسرا لصغر سنهما، فستحسن والدي رحمه الله ذلك". ثم يذكر أن الشيخ مبارك زودهم بست بنادق، إحداها ناقصة التجهيز، ومع كل واحدة بضع أطلاق، وبعدها ذهب عبدالعزيز ليودع ابن صباح، فقال له "راشده"، وأجابه عبدالعزيز: إن شاء الله. ويواصل الملك حديثه فيقول "عندما وصلنا الرياض، وكنا 18 نفر على 18 هجين، دخلنا الرياض بمساعدة السكان، وحاصرنا القلعة، المصمك، الذي موجود فيها ابن ضبعان، وبعثت له بطلب التسليم، فبعث لي من يثق به قائلا: لن أسلم إلا بالقوة، وهذا قد يطول وقته، وسيكلفكم غاليا، فإن انتصر ابن صباح سلمته وأنظمه معك (كذا)، وإن انتصر ابن رشيد سأدافع حتى آخر رمق. أجبته بالموافقة، ووعدته إن انهزم ابن صباح فلا حاجة لي بالبلاد. وهكذا بقينا 40 يوم في حصار قدري أكلت الطعام فيها 15 يوما، وبقية الأيام لا نأكل إلا التمر، لأننا نتحاشا دعوات الأصدقاء خشية عليهم من المعاقبة فيما لو غادرنا البلاد، والسوق خالية، وليس معنا ما نشتري به لو أنها غير خالية". ثم يذكر أنه في اليوم الـ 40 وهم جلوس يستمعون إلى أحد العلماء دروس ومواعظ، جاءهم أعرابي يسأل عن عبدالعزيز، ويقول "فأشرت إلى الخدم أن اسجنوه، وبعد أن انتهى الدرس، ذهبت إلى الأعرابي وحدي وسألته: ما هو أمرك، فقال: لا أتكلم إلا مع عبدالعزيز، فأخبرته ولم يصدق حتى أقسمت بالله، فقال: أتى إليّ شيخين على فرسين، أحدهما أبيض قصير القامة، والثاني أسمر نحيل طويل، وقال الأول: اذهب إلى عبدالعزيز في الرياض وقل له بأننا انصرفنا فليدبر أمره. ففهمت حصول الهزيمة كما توقعتها. وخرجت إلى الناس وتظاهرت أنه أنبأني بوجود قبيلة من الموالين لابن رشيد قريبة منا، وسنخرج للحصول على أموالها، فبعثوا إليّ العلماء بطلب المقابلة، وكنا نتقابل في بيت.. له مدخلين، هم يدخلون مع مدخل وأنا مع المدخل الثاني حتى لا يشعر أحدا باجتماعهم بي، فلبيت طلبهم، وطلبوا ألا أتصرف بالغزوات حتى معرفة النتيجة، فأخبرتهم الخبر وأني صممت على الانسحاب من البلاد، حتى يأذن الله بالعودة، وودعتهم. وعندما خرجت كان يتبعنا أكثر المحاربين من أهل مدينة الرياض، فتوقفت وأخبرتهم الخبر، وأنبأتهم أن الذي يفضل العودة إلى أهله فليعد ولا حرج عليه، فغادروا، ولم يبقى معي سوا 40 شخصا بما فيهم أنا وإخوتي، وذهبت إلى يبرين في الربع الخالي، قرب عشيرة آل مرة".
ويذكر المؤلف أن والده الأمير أحمد بن محمد السديري كان حاضرا والملك يتحدث بحديثه السابق، ثم يورد نقاشا جرى بينهما عن مشيهم في الغزوات حفاة، ثم يذكر أن الملك عبدالعزيز سأل والده "هل تتذكر عندما ذهبا وهاجما الأمير محمد والأمير سعد، وهما يأكلان عند الفلاح، وهم جميعا لم يأكلون الطعام منذ 18 يوما في تلك الغزوة عدى التمر".
هذه أبرز الفقرات التي وردت في المخطوطة على لسان الملك عبدالعزيز عن دخوله للرياض عام 1318هـ، ومن خلالها نلحظ مدى القسوة التي عاشوها، وشظف العيش الذي عانوا منه ردحا من الزمن، حتى أنعم الله على وطننا الغالي بنعمه، فيا ليت كل من يعيش على هذه الأرض المباركة يعي ذلك، ويتذكر أن النعمة "زواله"، تزول بالإسراف والتبذير، وتدوم وتزود بالشكر والإحسان والصدقة والعدل. حماك الله يا وطن.

الأكثر قراءة