الجندي السعودي .. شخصية العام
في حياة الأمم محطات تاريخية قد تتفاوت في طبيعتها بين الانتصار والانكسار. تسجل من خلالها الذاكرة الجمعية للشعوب أكثر لحظاتها الوطنية قداسة. تلك اللحظات التي تجتمع عليها كافة أطياف الشعب الواحد وتمثل لها إرثاً تستحضره وتستلهم منه الدروس في أوقات الأزمات.
وفي العلوم السياسية والتاريخ كثيرا ما كانت اللحظة الوطنية التاريخية هي بداية لتأسيس الأمة. وقد تشاء الظروف أن تأتي هذه اللحظة الوطنية أحياناً في صورة "حرب" على الرغم من قساوتها. ففي مصر مثلا شكلت حرب أكتوبر لحظة وطنية فارقة وفي كثير من الدول الأوروبية جاءت هذه اللحظة في صورة الانتصار على النازية ونهاية الحرب العالمية الثانية.
في المملكة العربية السعودية، تحل علينا ذكرى اليوم الوطني ونحن نعيش أحد أكثر لحظاتنا الوطنية أهمية. ففي حدودنا الجنوبية وعلى مرتفعاتها يسطر إخواننا من رجال القوات المسلحة وحرس الحدود والحرس الوطني أعظم ملاحم البطولة والفداء وهم يحملون أرواحهم على أكفهم من أجل مستقبل أكثر أمنا لباقي أبناء الوطن. وعلى أكثر من بقعة في أرض المملكة يقدم رجال الأمن أرواحهم فداء للوطن بوقوفهم متيقظين ومستعدين في كل لحظة لمواجهة الإرهاب. لقد جسدت بطولات جنودنا وضباطنا وطيارينا في حربهم ضد الأطماع التوسعية الإيرانية وضد إرهاب الجماعات الدينية المتطرفة أنبل صور الوطنية.
لذلك لم يكن من المستغرب أن تطلق هذه البطولات طوفاناً جارفاً من مشاعر الانتماء الوطني بين جموع المواطنين تجسدت في وقوفهم صفاً واحداً خلف القيادة وخلف الجنود في حربهم الوطنية. لقد شكلت عاصفة الحزم والحرب ضد الإرهاب التي تخوضها المملكة منذ سنوات مناسبة لتأكيد الانتماء الوطني وترسيخ صورة المملكة كبقعة من الضوء في وسط ظلام دامس تعج به المنطقة. ففي العالم العربي من حولنا، دول تداعت خرائطها أو تكاد وشعوب تتشرد في أصقاع الأرض وذاكرة وطنية مفقودة.
لقد أدى طغيان وسيادة الإنتماءات المذهبية والعشائرية والأيديولوجية على الانتماء الوطني في هذه الدول إلى سقوطها في أوحال الاحتراب الأهلي. ولئن كانت الدولة جسداً ملموسا يبنى عن طريق المؤسسات والتشريعات والأجهزة البيروقراطية فإن الوطن هو روح تكبر وتعيش عن طريق بطولات وتضحيات أبنائه وإيمانهم به.
في اليوم الوطني الخامس والثمانين للمملكة العربية السعودية، نستحضر عبقرية الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه ورؤيته التي آمنت بأمة وطنية سعودية واحدة. ونستعيد ذكرى الأبطال من جنود الوطن الذين آمنوا بالأمة السعودية فجاهدوا من أجلها وسقوا بدمائهم تراب الوطن وبذلوا أرواحهم في سبيله منذ حرب الوديعة وحتى اليوم. في العام الخامس والثمانين من عمر المملكة العربية السعودية، فرض الجندي السعودي نفسه شخصية لهذا العام. والأكيد أن ما بذله كل جندي سعودي سيظل ديناً على رقابنا نتذكره ما حيينا ودافعاً لنا نحو المحافظة على هذا الوطن وتنميته.