Author

هل الخليجيون أشرار؟

|
في مساء ماطر وفي إحدى المدن الأوروبية، كان رجل مسن، يدفع بتعب عجلات كرسيه المتحرك الذي يبدو أنه من نوعية رديئة، ينوي عبور الشارع. اندفعت خلفه لأدفع له الكرسي حتى عبر، وواصلت معه لأقرب نقطة توصله إلى مبتغاه. سألني بامتنان: من أين الفتاة؟ فأجبت: من السعودية، فقال: تقصدين الصحراء الغنية بالنفط هناك في الشرق الأوسط! الخليج هو الصحراء والثراء الفاحش والنفط وشعب ينفق ببذخ على أدوات الرفاهة. هذه هي الصورة والكلمات المفتاحية دائما مع الأسف، وليس في القاموس الغربي والسينما الغربية فحسب بل حتى العربية أيضا. كان هناك تفاعل كثيف حول مقالي السابق "السياح الخليجيون.. ما الذي يحدث". وكثيرون تفضلوا بإرسال رابط لي لمسح نشر على موقع "بزنس إنسايدر الأمريكي" حول أسوأ السياح في العالم الذين لم يكن بينهم عرب. وقد اطلعت عليه قبل كتابة ذاك المقال. والمسح الذي قامت به مؤسسة متعاونة مع الموقع يقول إن الأمريكيين هم أسوأ سياح في العالم يليهم البريطانيون، فالروس، فالصينيون، فالأستراليون، فالألمان، فالهنود، فالفرنسيون، فالإيطاليون، فالبرازيليون. الجميل في الأمريكيين والبريطانيين أنهم في المسح صوتوا ضد أنفسهم أيضا ولم يخجلوا أو يترددوا في ذلك. لم أشر للمسح إياه لأسباب منها ضيق المساحة. أضف إلى ذلك أن سمعة المسلمين في أوروبا ليست مشجعة في الوقت الراهن على الإطلاق. كما أن الثراء عادة يثير حساسيات الشعوب التي ربما لا تمتلك الامتيازات الحياتية التي يتميز بها بعض السياح الخليجيين ما يحفز على الهجوم والرفض. أما الأهم فإن السمعة العامة التي تتميز بها الدول الأخرى كأمريكا هي سمعة تم تأسيسها وصيانتها مع صورة لامعة راسخة. هذا ومن يسيئون لصورتنا لا بد أنهم يمثلون نسبة ضئيلة منا لكنهم مع الأسف يشكلون الصورة. هناك عشوائية وأخطاء مؤسفة نعم، سببها غالبا قلة الاعتياد على القوانين الصارمة المنظمة. لكن السمعة العامة إذا كانت جيدة تصبح كل الأمور الأخرى ثانوية من بينها أن يصبح مواطن الدولة سائحا سيئا، فما معنى أن يكون بعض الأمريكيين سياحا سيئين؟ لا شيء فأمريكا وشعبها يقودون العالم. صورة العربي في العقلية الغربية هي صورة رسمها التكرار والسينما والإعلام، والأهم من ذلك الواقع. في إحصاءات وزارة الخارجية السعودية، فإن غالبية قضايا المواطنين في الخارج خلال السنوات الثلاث الأخيرة تقع ضمن تصنيف "قضايا الجنح" لا أكثر، وينخفض العدد فيما يتعلق بالقضايا المدنية، وتأتي أخيرا القضايا الجنائية. هذا في مقابل القضايا الكبرى التي يقع فيها بعض شعوب الدول. شكل الغرب بقوانينه الحضارية شكلا أقرب للمثالي. وقد استخدم الغرب السينما والإعلام بشكل مكثف استراتيجي حرفي لتلميع الصورة، لا سيما سينما هوليوود التي تظهر الشخصية الأمريكية بصفتها الشخصية المثالية العالمية في صراع الخير والشر. وقد انتهجت السياسة نفسها إسرائيل بإنتاج أفلام سينمائية تلمع صورتها، منها ما شاهدته مرة بعنوان "الولد بالبيجامة المقلمة" الذي يستعرض عائلة تعرضت للمحرقة مع المئات من اليهود، بصورة جعلت من الجمهور الأوروبي المتابع يتأثر عميقا ويذرف الدمع، من بينهم أنا كمشاهد عربي. قال لي أحد الأصدقاء "عندما كانت البرازيل متسيدة العالم في كرة القدم، كنا نعتقد أنها أقوى دولة في العالم!". وهنا ما يسمى بتشكيل السمعة. فهل صورتنا هي هكذا لأننا لا نملك الأدوات الحقيقية أم أن "الشق أكبر من الرقعة" مع تفاصيل لا نستطيع تجاوزها بسهولة. نحن بلا شك نعي أهمية الإعلام والسينما، لكننا لم نصل لاستثمار ذلك في أمور سياسية "استراتيجية". في الحقيقة، الأمور معقدة وشائكة بين الواقع وبين الصورة.
إنشرها