FINANCIAL TIMES

تغير عادات المشاهدة يقلق شبكات التلفزيون المدفوع

تغير عادات المشاهدة يقلق شبكات التلفزيون المدفوع

عندما ضبط 24 مليون أمريكي قنواتهم لمشاهدة دونالد ترمب وهو يقاتل بعنف منافسين آخرين على الترشيح الرئاسي الجمهوري، سجلت "فوكس نيوز" تطورا تاريخيا في التلفزيون، بتحقيقها أعلى المراتب من حيث عدد المشاهدين الذين يشاهدون قناة كابل غير رياضية. في الوقت نفسه اشتكى من يتابعون المبارزات السياسية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، من أنه على الرغم من أنها كانت تستضيف المناقشات في شراكة مع فيسبوك، إلا أن فوكس نيوز جعلت من المستحيل تقريبا مشاهدة الحدث عبر الإنترنت. تبادل مستخدمو تويتر الروابط لقنوات البث غير المشروعة وانتقدوا فشل الشبكة في تلبية احتياجات "قاطعي الأسلاك" أو "رافضي الاشتراك التلفزيوني" - كناية عن الناس الذين إما أوقفوا اشتراكاتهم التلفزيونية، وإما أنهم لم يوقعوا عقد تجديد الاشتراك. إن الانفصال بين التصنيفات النازلة وتجربة المشاهدين الشباب الأذكياء إعلاميا يبدو وكأنه يدعم أطروحة المذيعين ومزودي خدمات التلفزيون المدفوع: قد يكون قطع الأسلاك هو موضة النخب العصرية، لكنه حتى الآن لم يؤثر سلبا في علاقة الحب بين أمريكا "الحقيقية" والتلفزيون. إنها نظرية تتعرض للهجوم كما لم يحدث أبدا من قبل. ودائما ما يكون الربع الثاني صعبا على صناعة تلفزيون الاشتراكات، في الوقت الذي تنتقل فيه العائلات إلى مسقط رأسها وطلاب الجامعات إلى ديارهم. لكن هذا العام، كان الربع هو الأسوأ من حيث صافي عدد الزبائن الذين فقدتهم الشبكات، الذين يقدر عددهم بـ 566 ألف شخص. وباستثناء شبكة فيرايزون التي لا تزال تنشر خدمات الفيديو الخاصة بها، خسرت جميع شركات خدمات التلفزيون المدفوع عددا من مشتركيها خلال الأشهر الثلاثة. يأتي الأداء الضعيف على خلفية تحسن في اتجاهات الاقتصاد الكلي، التي عادة ما تكون إيجابية لهذه الصناعة، بما في ذلك ارتفاع في تكوين الأسر بعد سنوات عدة من الركود. ونظرا لوجود نحو 100 مليون مشترك أمريكي في خدمات التلفزيون المدفوع، فإن خسارة نصف مليون لا تعادل معركة فاصلة. تقلصت قاعدة المشتركين بنسبة 0.7 في المائة على أساس سنوي خلال الربع، وهذا التقلص هو الأكبر حتى الآن، رغم أنه لم يقترب ولو من بعيد من التراجعات في غيرها من شركات وسائل الإعلام، مثل الصحف وتسجيلات الموسيقى. لكن بعد عقد من القلق حيال قطع الاتصال، يعتقد مستثمرون أن الفرصة قد وصلت أخيرا. وكانت مخاوف متعلقة بتغيير الزبائن الشباب عاداتهم في المشاهدة قد أدت إلى حدوث بيع حاد لأسهم وسائل الإعلام هذا الشهر. وتم القضاء على أكثر من 50 مليار دولار من القيمة السوقية في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 الإعلامي، بعد خفض شركة وولت ديزني تقديرات النمو لشبكات الكابل خاصتها وإبلاغ شركات تشمل "فياكوم" و"فوكس" و"سي بي إس" عن انخفاض إيراداتها من الإعلانات. ومن بين جميع الشركات التي تنقل برامج التلفزيون المدفوع إلى البيوت، كانت مجموعات الأقمار الصناعية هي أكبر الضحايا من جراء قطع الاتصال. وعندما دخلت السوق في التسعينيات، جمعت هذه الشركات قاعدة مشتركين ضخمة مع خصومات كبيرة على المنتجات السلكية والتكنولوجيا التي يمكن أن تصل إلى المنازل في المناطق الريفية. لكن محدثي الاضطراب السابقين أصبحوا هم أنفسهم عرضة للاضطراب. فخلافا لشركات تشغيل الكابل، لا يمكن لشركات الأقمار الصناعية تقديم خدمات ذات نطاق واسع وعالية السرعة - وهي ضرورية لكل شخص يريد مشاهدة خدمات البث مثل "نيتفليكس" أو "هولو". يقول كريج موفيت، المحلل لدى موفيت - ناثانسون: "نحن نشهد تآكلا سريعا في القدرة التنافسية للأقمار الصناعية. لم تعد الصناعة تنمو في الولايات المتحدة، وتحولت الديناميات لمصلحة خدمات الكابل والإنترنت السريع". وفقا لتقديرات محللين، خسرت شركة دش، وهي واحدة من اثنتين من مجموعات الأقمار الصناعية الأمريكية الكبيرة، 151 ألفا من مشتركيها خلال الربع الثاني، مقابل 44 ألفا قبل عام. وتوقع شارلي إيرجين، الرئيس التنفيذي لـ "دش"، أن تتعرض أعمال شركته إلى ضغط، وقد حاول التنويع مع "سلينج تي في" ومن خلال الاستحواذ على ما قيمته عشرات المليارات من الدولارات من طيف خدمات الاتصالات اللاسلكية. وقدم إيرجين رسالة حادة لمالكي المحتوى هذا الشهر، حين قال: "إن المشكلة الأكبر في الأعمال التجارية التلفزيونية اليوم هي أن نسبة المشاهدة في تراجع. ومعدلات الإعلانات في تراجع". وشهدت "دايريكت تي في"، مجموعة الأقمار الصناعية التي استحوذت عليها أخيرا "إيه تي آند تي" مقابل 49 مليار دولار، أسوأ ربع لها حتى الآن، بفقدانها 133 ألفا من المشتركين، مقابل 34 ألفا في الفترة نفسها من العام الماضي. وانخفضت أسهم "إيه تي آند تي" بنسبة 3 في المائة يوم الأربعاء الماضي، بعد أن حدد المديرون التنفيذيون استراتيجيتهم طويلة الأجل في يوم الاجتماع مع المحللين. أما بالنسبة لمشغلي الكابل، فإن الصورة أفضل بكثير. "كومكاست"، باعتبارها مالكة شبكة "إن بي سي" للبث التلفزيوني، عانت بسبب عمليات بيع مكثف لأسهمها، لكن أداء أعمالها التجارية في الكابل كان جيدا جدا، إذ انسحب منها 69 ألف مشترك مقابل 144 ألفا قبل عام. وخسرت "تايم وورنر كابل" 43 ألفا مشتركين، هبوطا من 147 ألفا. ويقول محللون إن شركات الكابل تعمل بشكل أفضل لأن الزبائن الذين لا يزالون يريدون خدمات التلفزيون المدفوع يريدون أيضا خدمات الإنترنت السريع، التي يمكن توفيرها عبر الكابل وليس من خلال طبق قمر صناعي. وحتى لو تضررت خدمات الكابل جراء قطع الاتصال، يتوقع بعض المحللين فوز الجميع على المدى الطويل. وعندما يوقف الزبائن اشتراكاتهم في التلفزيون المدفوع ويذهبون إلى "نيتفليكس" و"إتش بي ناو" وغيرهما من خدمات الإنترنت، يبقون بحاجة إلى اتصال إنترنت عالي السرعة. ولا تجني كثير من شركات الكابل الأصغر أية أرباح من خدمات الفيديو، بينما الشركات الأكبر حجما، مثل كومكاست، تجني القليل جدا من الأرباح. وخسرت شركة كابل ون، وهي شركة تشغيل صغيرة مقرها أريزونا، 20 في المائة من مشتركيها في خدمات الفيديو خلال عام، بينما تزايدت لديها الأرباح وحركة النقد. يقول موفيت: "لقد تجاوزت شركات التشغيل الأصغر بالفعل الخط الأحمر الذي لا رجعة عنه. أخيرا سوف يكون هذا مصير الجميع". وفي الربع الثاني حققت كومكاست خطوة جريئة وأصبح لديها الآن عدد من المشتركين في خدمات الإنترنت السريع يفوق ما لديها من مشتركي الفيديو. ومن رأي ريتش جرينفيلد، المحلل لدى "بي تي آي جي للبحوث"، أن أمثال شركة كومكاست وتايم وورنر كابل سوف تكون أقل تفاؤلا حيال فقدان زبائن الفيديو. ويقول: "لا يزالون يجنون المال من خدمات الفيديو، ما يجعل التخلي عنه أصعب. إنهم يفرضون رسوما أعلى من التكلفة. لو كانوا يعملون فقط في خدمات الإنترنت السريع، عليهم قبول إيرادات منخفضة أو رفع أسعارهم". ولعل أكبر خطر يتهدد شركات الكابل هو أن تمنع الأجهزة التنظيمية الشركات من رفع أسعار الإنترنت السريع بهدف التعويض عن الأرباح المفقودة من التلفزيون المدفوع. والعوامل الاقتصادية الحالية للتلفزيون المدفوع بسيطة للغاية: يدفع المشترك مبلغا معينا في الشهر. تقريبا نصف هذا المبلغ يذهب إلى شركات البث التي تقدم المحتوى، ويذهب النصف الآخر إلى شركة التلفزيون المدفوع التي تنقل المحتوى. وفي عالم نيتفليكس، تحتاج كومكاست وغيرها إلى طريقة جديدة للحصول على المال. قاعدة حياد الإنترنت التي تفرضها اللجنة الفيدرالية للاتصالات أغلقت على الأقل أحد موارد الدخل، لأنها حظرت على شركات الكابل وشركات الاتصالات أن تتقاضى رسوما من نيتفليكس وغيرها مقابل حصول المشاهدين على "المسار السريع". وفي مناطق واسعة في الولايات المتحدة لدى الزبائن خيار واحد من شركات الكابل. وإذا بدأت الشركات باستغلال احتكاراتها في مثل هذه المناطق، من الممكن أن تتدخل الأجهزة التنظيمية وتفرض حدودا عليا للأسعار مثلما تفعل مع شركات الكهرباء والخدمات الأخرى. وفي الوقت الذي يعترك فيه المستثمرون والتنفيذيون مع التغيرات المتسارعة في عادات الاستهلاك الإعلامي، يتطلعون بعصبية إلى فئة واحدة بحد ذاتها، هي فئة الأطفال التي تشعر الشركات بالقلق من أن أفرادها قد لا يصبحون زبائن لخدمات التلفزيون المدفوع عندما يكبرون. وقد كانت الأسهم الأكثر تضررا في أحدث عملية بيع في القطاع هي شركة فياكوم. هذه الشركة التي هي موطن قنوات "نيكيلوديون"، و"إم تي في" و"كوميدي سنترال"، انخفضت أسهمها بنسبة 20 في المائة خلال يومين، عندما تخلفت عن تقديرات الإيرادات وأبلغت عن تراجع بنسبة 9 في المائة في مبيعات الإعلانات الأمريكية. وكونها كانت ذات مرة مواطن للبرامج التي تستهدف الشباب، عانت قنوات فياكوم من انخفاضات حادة في التصنيفات عندما تحول هؤلاء المشاهدون لمشاهدة ما يطلبونه عبر أجهزتهم، عادة من دون إعلانات. فقد انخفضت المشاهدة عبر شبكاتها بنسبة 18 في المائة خلال الفصل الثاني، بحسب شركة بيرنشتاين للأبحاث. وقال ديف نوفوسيل، المحلل لدى جيمي كريديت: "لا تزال فياكوم تتباهى ببعض البرامج الجذابة، لكنها تجتذب بشكل رئيسي الأصغر سنا الذين يودون على الأرجح التخلي عن مشاهدة البرامج التلفزيونية التقليدية". وردت فياكوم بأن تصنيفات نيلسين التي ترتكز إلى سوق الإعلانات التلفزيونية الأمريكية البالغة قيمتها 79 مليار دولار لا تغطي نطاق خدماتها الرقمية. وتواجه شبكات التلفزيون التقليدية أيضا منافسة من المبرمجين عبر الإنترنت، بما فيهم نيتفليكس وآمازون، اللتان تستثمران في محتوى أصلي للأطفال وتعطيان تراخيص لبرامج شعبية تابعة لوولت ديزني ودريم ويركس للرسوم المتحركة وقناة نيكيلوديون، التابعة لفياكوم، التي تدير برامج خالية من الإعلان تجذب العديد من الآباء. هذا الأسبوع وجدت دراسة أجرتها شركة برايس ووترهاوس كوبرز PwC أن أكثر من نصف من هم في الفئة العمرية 8 ـ 18 سنة يقولون إن القنوات التلفزيونية المباشرة كانت المحتوى الإعلامي المفضل لديهم، قبل برامج التلفزيون عبر الكابل وبرامج تلفزيون الشبكة، أو الألعاب، أو أفلام الفيديو القصيرة. أما عاداتهم في المشاهدة فتدل على شيء مختلف تماما، إذ يمضي أولئك الذين شملهم الاستطلاع ما معدله 7.8 ساعة أسبوعيا في مشاهدة قنوات التلفزيون التقليدية، مقارنة بـ 6.2 ساعة في مشاهدة قنوات تلفزيون الكابل، و6.1 ساعة في مشاهدة بث البرامج والأفلام على الكمبيوتر المحمول، أو الهواتف الذكية، أو الكمبيوتر اللوحي، و7.2 ساعة في مشاهدة الأفلام على يوتيوب. مع هذا، لا يزال الخطر موجودا في قطاع التلفزيون بأن هذا الجيل من الأطفال يكبر وينشأ مع أجهزة الآيفون، والعروض الخالية من الإعلانات المقدمة من نيتفليكس تعمل على تطوير فكرة غريبة جدا ومختلفة جدا عما يشكله التلفزيون.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES