استجابة وزير العمل لشاب فصل من عمله

في الأسبوع الماضي كتبت مقالا عن أحد الشباب السعوديين المؤهل تأهيلا جيدا الذي يعمل في شركة مساهمة، ومع ذلك قامت الشركة وبناء على توصية مديره الأجنبي بفصله تعسفيا، على الرغم من أن القسم الذي يعمل فيه يعج بكثير من الأجانب ولا يوجد سعودي، ولأنه لم يكن مستعدا لخوض غمار المحاكم والقضايا وهو بحاجة ماسة إلى العمل، لهذا رضي من عدل الهيئة الابتدائية لتسويات الخلافات العمالية بالصلح ومن الشركة التعويض بمبلغ زهيد على أن تعطيه الشركة شهادة خبرة، فكأنه اشترى منهم شهادة الخبرة بكامل حقوقه في القضية، وهذا ما رأيته ظلما. لذلك كنت حادا في عنوان المقال أكثر مما ينبغي، حيث أقحمت وزارة العمل في الموضوع على أساس أنها قضية سعودة، ولم أكن أخطط لكتابة هذا المقال حتى تشرفت باتصال مباشر من الدكتور مفرج الحقباني وزير العمل حول قضية هذا الشاب. وهذا التفاعل الأكثر من رائع والاستجابة السريعة والفعالة جدا من وزير العمل، وهو في أعلى سلطة ومنصب في هذا المجال، جعلتني أستغل الفرصة لأناقشه حول قضايا أخرى، كما أنه تحدث بشفافية معي حول مشاكل الشباب السعودي مع السعودة، ونظرا لعمق النقاش وأهميته، خاصة لأبنائنا الشباب ولرجال الأعمال معا فقد آثرت أن أتحدث عن هذا الاتصال وما تم فيه، وإن أجلت موضوعات أخرى مهمة.
للحقيقة لم أكن بعد المقال متفائلا بتفاعل الوزارة بأي طريقة، فضلا عن اتصال مباشر من الوزير نفسه، ذلك إنني ــــ وللحقيقة ــــ لم أجد أي تفاعل من هذه الوزارة سابقا حول كثير من المقالات التي كتبتها. وقد قلت هذا بصراحة في معرض طرحي للحلول في قصة هذا الشباب وأن عليه الصبر وتقبل الوضع الراهن كما هو والعمل على الحصول على شهادة CIA لأنني كنت أرى أنه لن يجد من ينصفه من هذا المدير المتعسف والإدارة غير المنصفة وبدلا من مناطحة الحجر عليه أن يدور حوله. لكن الوزير جعلني اليوم أكثر تفاؤلا، خاصة أن استجابته العاجلة وتفاعله الصادق مع الموضوع، لم يأتيا لشخص كاتب المقال فأنا الفقير إلى ربه لم تربطني بالوزير أي علاقة أو معرفة سابقة، لكن لأن الوزير ـــ جزاه الله عني خيرا ـــ قد استشعر أهمية الموضوع وضرورة التحدث المباشر فيه، وقد طلب مني إرسال كل الوثائق المؤيدة للموضوع وأكد أنه سيبحث في حقوق الموظف، وأنه لم يتعرض للضغط من أجل قبول الصلح، بهذا فإن موضوع صديقي الشاب قد أصبح في يد أمينة فلن أتحدث فيه اليوم، لكن من المناسب أن أشير إلى حديث الوزير بشفافية عن وضع كثير من الشباب مع السعودة، من حيث إن جميع أنظمة العمل في المملكة تضع حق المواطن أولا في الحصول على الوظيفة التي يكون مؤهلا لها، لكن هذه الأنظمة ومع مشاريع وزارة العمل نحو دعم السعودة لا تعني أن يتعامل الشباب مع قضية العمل بلا جدية كافية، وأن يتم النظر إلى الفرصة الوظيفية على أنها متاحة في أي وقت، لذلك فهو لا يبالي بالإنتاجية ولا حقوق أصحاب العمل على أساس أنه سيجد وظيفة في مكان آخر لو تم فصله، وذلك بسبب مشاريع السعودة القوية وضغوط الدولة فيها.
فالأصل في العمل هو الإنتاج والأصل في الأجر الذي يستحقه الموظف هو أن يقدم في مقابله العمل، وفقا لما يسمى بفرض "بالعناية المهنية اللازمة" وهو ما يجب أن يقدمه أي موظف آخر في المؤهل نفسه والوظيفة نفسها وفي الظروف نفسها، وذلك بغض النظر عن الجنسية، فالعمل ـــ كعمل وكإنتاج وعناية مهنية ـــ لا علاقة له بالسعودة والجنسية والنوع، وإذا كانت الدولة ـــ رعاها الله ـــ تصر على حق المواطن في الحصول على العمل قبل غيره فهي أيضا تصر على حق صاحب العمل في الحصول على الإنتاج الذي تتطلبه هذه الوظيفة، فالحكومة وإن كانت تضغط بقوة في موضوع السعودة إلا أنها لن تغفل أبدا حق أصحاب العمل في الحصول على الإنتاج الذي يرغبون فيه من الموظفين. هذا التوازن هو ما يؤكده وزير العمل، وأشار إليه في اتصاله، فالوزارة يجب أن تحفظ حقوق الطرفين تماما، وبناء على الأنظمة التي تكفل لهما هذا الحق.
لذلك، فإن على الشباب مسؤولية الحفاظ على وظائفهم التي يحصلون عليها من خلال تقديم أفضل قدراتهم وتقديم العناية المهنية اللائقة بالعمل الذي يكلفون به وفقا لظروفه المتاحة. وفي هذا يحق للطرفين التقاضي والتصالح وفقا لما يراه كل منهما أنه حق له، والوزارة يجب عليها أن تراعي هذه الحقوق تماما، نعم للسعودة تماما ولكن ليس على حساب الاقتصاد والإنتاج الوطني.
من المناسب وقد بلغنا هذه المرحلة من النقاش أن نقرأ عددا من تعليقات القراء على الموضوع وبعيدا عن مسألة التهجم على أحد الطرفين، فإن تعليقا وردني باسم "داعم للمنشآت الصغيرة" هو "نصيحة للشباب السعودي المتخرج حديثا والتوظف في الأقسام الإدارية والمالية خاصة انزع وجه كونان أعط وخذ ثقة فقط"، انتهى التعليق. وكونان هذا هو محقق في مسلسل تلفزيوني كرتوني، والمقصد واضح جدا من هذا التعليق الرائع. يجب على الشاب عند وجود فرصة وظيفية في مؤسسة خاصة ـــ فيها عديد من الموظفين الأجانب ــــ أن يمارس العمل المخصص له وفقا للعناية المهنية اللازمة، وأن يوثق عمله وإنجازاته، وألا يتورط في التشكيك بهذا وذاك، أو أن هذا مسيطر على المؤسسة وأن صاحب العمل لا يعرف ما يدور من خلفه، يجب على الشباب منح الآخرين فرصة للثقة بهم وأن يثقوا هم بالآخرين. انتهت المساحة المخصصة ولم ينته المقال فالموضوع يستحق أكثر من ذلك، والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي