تقييم نمو الصناعة التحويلية السعودية

دعت خطط التنمية والاستراتيجية الوطنية "السعودية" للصناعة إلى رفع مساهمة الصناعة في الناتج المحلي، حيث تكون مصدرا أساسيا للدخل. وكلمة صناعة يقصد بها الصناعة التحويلية. وهذا يعني أنه ينبغي أن تسهم بما لا يقل عن 20 في المائة من الإنتاج المحلي الإجمالي. ذلك لأن هناك نوعا من القبول العالمي على أن تحقيق هذه النسبة فصاعدا مطلب لاعتبار نشاط الصناعة التحويلية مصدرا أساسيا للدخل، واعتبار الدولة مالكة لقاعدة صناعية متينة.
ما الواقع؟ في العام الماضي، بلغت مساهمة الصناعة التحويلية بما في ذلك تكرير النفط أقل من 12 في المائة من الناتج المحلي. وأسهمت بنحو 8 في المائة إذا استبعدنا صناعة التكرير.
من المهم مقارنة المتحقق بالأهداف، وبما حققه الآخرون، ومن المهم مناقشة أسباب الفجوة إن وجدت، وما المطلوب عمله لتقليص هذه الفجوة بين المتحقق والأهداف.
ما البداية؟ يمكن اعتبار خطة التنمية الثالثة (1400هـ ـــ 1405هـ الموافق 1980 ـــ 1985) هي بداية الاهتمام الجاد في تنمية الصناعة التحويلية.
رغم ما بذل من جهود منذ عام 1400هـ (1980)، ورغم ما تحقق من نجاحات، فما زال القطاع كما وكيفا دون المخطط في خطط التنمية، ودون ما نادت به الاستراتيجية الوطنية للصناعة، التي هي حديثة عهد نسبيا (أقرها مجلس الوزراء عام 1430هـ). بعبارة أخرى، دون المؤمل في أن تكون الصناعة التحويلية مصدرا أساسيا للدخل في جهود تنويع مصادر الدخل. هذه هي خلاصة التقييم.
من المهم أن يقوم التقييم على استبعاد صناعة تكرير النفط "وربما استبعاد جزئي للصناعات الهيدروكربونية أي البتروكيماوية"، رغم انطباق معنى صناعة تحويلية على هذه الصناعة. وسبب الاستبعاد مكانة السعودية المعروفة في عالم النفط وصناعاته، ما يجعل إدخال التكرير خاصة مضللا بعض الشيء في تقييم نمو الصناعة التحويلية السعودية عامة.
ماذا تحقق حتى الآن وفقا لما سبق ذكره من أسس وأهداف؟
وفقا لخطة التنمية الخمسية الرابعة (1985 - 1990) كان متوسط النمو السنوي (في المائة) الفعلي للصناعة (المقصود هنا الصناعة بمعناها الضيق أي التحويلية أما استخراج النفط وتوليد الطاقة الكهربائية فغير مقصود) 14.1 خلال خطة التنمية الثالثة، بينما كان المخطط 18.8، ووفقا للخطة نفسها يعود معظم النمو الصناعي المتحقق في الخطة الثالثة إلى مواد البناء، وفي المقابل فاق الفعلي المخطط في الزراعة وأغلب فروع قطاع الخدمات الخاصة. أما في الخطة الرابعة فقد كان متوسط النمو السنوي الفعلي سالبا (-4.6) للصناعات غير القائمة على النفط والغاز، بينما كان المخطط 10.5. أما في خطة التنمية الخمسية الخامسة، فقد بلغ معدل النمو السنوي الفعلي لها 4.4، بينما كان المستهدف 7.5 وتركز النمو على مواد البناء والأطعمة والأثاث وتجميع بعض الأجهزة الاستهلاكية، حيث كانت التراخيص الصناعية الصادرة بداية الخطة كلها تقريبا في مواضع التركيز السابقة، أما ما عدا ذلك من صناعات فنصيبها ضئيل جدا (أقل من 10 في المائة). والخلاصة أن نمو الصناعة كان أقل كثيرا من المستهدف خلال الخطط الثالثة والرابعة والخامسة، وأن هذا النمو تركز في صناعات بعينها.
أما خلال السنوات العشر الماضية، فإن الوضع لم يتحسن، بل من المتوقع وجود تأثير سلبي في القطاعات المنتجة جراء ارتفاع الدخل النفطي ارتفاعا حادا "تأثير المرض الهولندي، الذي يعني باختصار شديد تضرر تنافسية وربحية القطاعات الإنتاجية، أو بعبارة أخرى ما يمكن استيراده، جراء زيادة الدخل من صادرات الموارد الطبيعية".
ما زالت مساهمة الصناعة التحويلية في الناتج المحلي "شاملة تكرير النفط" تدور وعلى مدى سنوات حول 11 في المائة، وأكد على هذه النسبة التقرير الاقتصادي السعودي لعام 2014، إصدار وزارة الاقتصاد والتخطيط قبل شهرين تقريبا. وتبلغ النسبة بدون التكرير قرابة 8 في المائة، ولو استبعدت الصناعات البتروكيماوية القائمة على موارد النفط والغاز لانخفضت النسبة عن 8 في المائة.
ما المطلوب عمله لتحقيق نسبة 20 في المائة بدون التكرير؟ مطلوب ابتداء مراجعة وثيقة الاستراتيجية الصناعية بهدف تعزيز ما فيها من سياسات وآليات لتحقيق الأهداف. وفي هذا قد يتطلب الأمر مراجعة وإعادة بناء، خاصة لما يلي باختصار شديد لضيق المقام عن إعطاء تفاصيل:
1. الفترة الزمنية المعقولة للوصول إلى الهدف.
2. تركيبة وطبيعة النمو ومعوقاته.
3. سياسات إحداث ذلك النمو.
4. متابعة التنفيذ بما يشبه إدارة مشروع قوية وفعالة.
هذه الخطوات لا بد أن تكون تفاصيلها مدروسة جيدا، وترتيبها للتنظيم لا للفصل النهائي لأن بعضها مرتبط ببعض.
الحصول على نسبة 20 في المائة ليس بالعمل السهل، وأصعب منه تكوين ثقافة مجتمع صناعية، لأن الاستثمار في الصناعة يتطلب مهارات وتقنية ورأس مال وصبرا أعلى عادة مما هو مطلوب في الاستثمارات الأخرى، هذا من جهة الابتداء. أما من جهة الإنتاج فهناك مشكلات ربما كان أهمها المنافسة الأجنبية، وعوارض المرض الهولندي. يضاف إلى هذا كله التحديات والمعوقات التي تواجه أي استثمار. هنا تأتي مهمة تطوير وتعديل السياسات الحكومية عامة والصناعية خاصة بطريقة تقضي على أو تخفف من المشكلات إلى أدنى حد، وتؤدي إلى تحقيق نمو سنوي ينشئ بعد حين القاعدة والثقافة الصناعية المنشودة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي