الراحل حمد الزامل .. الإدارة بالأخلاق

في ليلة السابع والعشرين من رمضان، وافت المنية رجل الأعمال حمد العبدالله الزامل وانتقل إلى جوار ربه، أسأل العلي القدير أن يتقبله قبولا حسنا، ويغفر له ويدخله في واسع رحمته، وأن يجزيه عما قدم من أعمال خيرية خير الجزاء. ولعل قدسية الزمان تجعل محبيه يستبشرون خيرا بحسن الخاتمة لرجل عرف بدماثة الخلق، وحب الناس، والحرص على أداء الواجبات الدينية. كان أول لقاء مع أبي عبدالله (يرحمه الله) في سبتمبر عام 1989، حين كان عضوا في مجلس إدارة شركة معارض الظهران. أتذكر جيدا حين قابلته للمرة الأولى، لفت نظري بأسلوبه العفوي الأخوي الحميمي، وروحه المرحة التي تفيض بمعاني المحبة ولطيف المشاعر، فقد كان يرفض أن تكبله الرسميات والشكليات، ولا أن يتلبسه الكبر، أو يغره الجاه، أو يعيقه المال عن تكوين علاقة حميمية مع من حوله. كان رحمه الله يحب الحياة بتفاؤل منقطع النظير. كان حبه للحياة يحمل فلسفة خاصة، أساسها أن أجمل ما في الحياة إدخال السعادة على الآخرين، والاستمتاع بالاجتماع بهم والحديث إليهم والتبسط معهم. ولا أبالغ في أنه عندما كان يتحدث لأي شخص لا يفرق في احترامه ودعابته بين الناس، فالكل عنده سواسية بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية، وكأنه يتمثل قول الله تعالى "ولقد كرمنا بني آدم"، وأن هذه الكرامة تفرض عليه تقدير الناس لآدميتهم، وما يملكون من مشاعر وقيم أخلاقية. لم يكن يتصنع التواضع ولا محبة الناس، ولكن كانت أخلاقه الفاضلة فطرية وعلى وتيرة واحدة وسمة لم تتغير ولم تتبدل مع تغير الأحوال، بل إنه مع الأيام كان يزداد تواضعا وتلطفا مع الآخرين. وفي بيئة الأعمال التي تعج بالرسميات والمجاملات والتباهي قلما تجد مثيلا لحمد الزامل ببساطته وشفافيته وصراحته وتواضعه.
عندما تقابل أبا عبدالله يرحمه الله للمرة الأولى، يأخذك على حين غرة في نقاش مفتوح وجريء وحوار الند للند من دون تعالٍ ولا كبر، هَمُّهُ الاستمتاع بالحديث بإنسانية وموضوعية وحيادية، والبحث عن فكرة جديدة تجعل العالم مكانا أفضل اقتصاديا وصناعيا واجتماعيا. وحتى في تعاملاته التجارية لطالما سمعته يردد في أكثر من اجتماع عمل مقولة "اللهم ارزقني وارزق مني". حينما يتعلق الأمر بمشروع تجاري فنظرته تشاركية وفلسفته خلق وضع مربح لجميع الأطراف، من منطلق أن هذا العالم يتسع للجميع، وأن خزائن الله لا تنفد، وبعد ذلك فإيمانه ويقينه بالله في أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن الدنيا لا تساوي جناح بعوضة. ولذا لم يكن يحمل ضغينة على أحد أو يحسد أو يضمر الشر للآخرين، كيف ذاك وهو الذي لا يحبس في صدره المشاعر، ولا يتوانى عن التعبير عما يجول في خاطره بكل أريحية، ويصرح بأفكاره وظنونه تجاه الآخرين بكل شفافية وجرأة أدبية. وربما كان هذا هو السر وراء المحبة الجارفة والرصيد العاطفي الكبير الذي يكنه الناس له. من بين المواقف التي أذكرها أنه في حفل افتتاح مبنى شركة معارض الظهران من قبل أمير المنطقة ووزيري الصناعة والتجارة آنذاك، ولحرصه على إخراج الحفل بالشكل اللائق، يبدو أنه نَهَرَ أحد أفراد العمالة الأجنبية لإهماله في جانب معين، وبعد انتهاء الحفل نُفاجأ به يطلب وبإلحاح وحرص شديد إحضار ذلك العامل للتسامح منه! والمواقف على دماثة خلقه وتواضعه مع العموم كثيرة، وفي المقابل جرأته في طرح رأيه من دون مجاملة أو مواربة، وممازحة من دون تحفظ مع النافذين من وزراء وسفراء وأعيان بأسلوب لا يخلو من النقد اللاذع.
السر وراء نجاحه في علاقاته الاجتماعية والتجارية ذكاؤه العاطفي، فهو يعرف كيف يدير الحوار، ومتى ينصت، ومتى يتحدث، بأسلوب لطيف، حتى إن من يناقشه يظن أنه يلقي الكلام على عواهنه من دون هدف محدد ورسالة يراد إيصالها، ولكنه بذكائه الاجتماعي يحتوي الجميع بمختلف أطيافهم ومستوياتهم الاجتماعية. هكذا وسَّع منطقة القبول لدى جميع المتعاملين معه لتكون قوة تأثيره أكبر من سلطة المركز أو المال أو الوجاهة. لقد كان شخصية مؤثرة جدا بما يحمله من فكر وظفه في عمله التجاري بخلق ونزاهة وشفافية، فربح محبة الناس قبل أن يحقق ربحا تجاريا.
إن أسلوبه الإداري المميز وتعامله الإنساني يستحق أن يوثق، وأن يدرس للأجيال القامة، لأنه مثل مدرسة في التعامل التجاري الراقي والأخلاقي. وأقترح على مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية وعلى وجه الخصوص الغرفة التجارية والصناعية في المنطقة الشرقية إقامة ندوة بعنوان "حمد الزامل.. الإدارة بالأخلاق". كما أتمنى على إخوته الكرام إنشاء كلية لإدارة الأعمال باسمه تخليداً لذكراه، وتجسيداً للقيم والأفكار والأساليب والممارسات الفاضلة التي امتاز بها.
إن الممارسين للتجارة والأعمال من أمثال الراحل حمد الزامل بأسلوبه القيادي المتميز، هم من يصنعون الهوية التجارية والصناعية لبيئة الأعمال الوطنية كنموذج يستحق أن يُقتفى ويُدرس. رحم الله أبا عبدالله.. وتعازينا لأسرته ومحبيه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي