الفائدة الأمريكية .. والأسواق الناشئة

يكاد الاقتصاديون يجمعون على أن أي خطوة من قِبل الولايات المتحدة لرفع الفائدة، ستؤثر سلباً في أداء الاقتصاد العالمي، ولاسيما اقتصادات الأسواق الناشئة. وقد انضم أخيراً صندوق النقد الدولي، لأولئك الذين يحذرون من هذه الخطوة؛ ليس فقط لأنها تأتي في ظل تعاف اقتصادي عالمي هش في بعض الجهات، وركود في جهات أخرى، بل أيضاً لتخبط الاقتصاد العالمي بشكل عام، ويكاد هذا التخبط يشمل كل البلدان تقريباً، بما فيها الدول الكبرى. تكفي الإشارة هنا فقط، إلى الأزمة المتصاعدة إلى حد الرعب التي تشهدها منطقة اليورو من جراء الديون اليونانية، وكيفية التوصل إلى حلول بين أثينا والدائنين، ولا سيما أنها باتت ترتبط بهيبة وسمعة ومكانة الاتحاد الأوروبي بشكل عام.
ويؤكد الاقتصاديون المستقلون وغير المستقلين، أن الاقتصاد العالمي استمد زخمه قبل أزمة الاقتصادات العالمية من الاقتصادات الناشئة، التي حققت قفزات نوعية في مختلف المجالات، بما فيها الإنتاج والاستثمارات والتجارة. ومع انفجار الأزمة، وظهور قوانينها على الساحة قسراً باتت هذه الاقتصادات واهنة، بل مهددة بالركود العميق. وتكفي الإشارة هنا إلى أن دولاً، مثل روسيا والبرازيل، تعاني ركودا خطيرا؛ هدد الاستقرار السياسي البرازيل فعلاً في الآونة الأخيرة. وهو يضغط بصورة كبيرة (بصرف النظر عن عدم اعتراف فلاديمير بوتين بذلك) على حكومة الرئيس الروسي نفسه، خصوصاً في ظل تصاعد العقوبات المفروضة عليه بسبب الأزمة الأوكرانية. كما أن النمو في الصين يواجه تراجعاً لم يتوقعه عديد من المراقبين والمسؤولين الصينيين أنفسهم.
نحن أمام أسواق ناشئة لم تعد تمثل نقطة بيضاء في المشهد الأسود، كما أنها باتت مضطربة إلى درجة تحول الملاحظات إلى تحذيرات. ورفع الفائدة الأمريكية يعني ببساطة زيادة الاضطراب على الساحة العالمية، ولا سيما في البلدان التي تواجه أوضاعاً اقتصادية هشة. في الأشهر القليلة الماضية، تراجع حجم الصادرات في كثير من البلدان وفي مقدمتها الصين حيث بلغت نسبة التراجع في أيار (مايو) الماضي 2.5 في المائة، وكذلك تراجعت الواردات بما يعادل 17.6 مليار دولار. ويؤكد اقتصاديون، أنه إذا ما استبعدت مساهمة الصين، فإن متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي للاقتصادات الناشئة مقيما بالدولار الأمريكي سيكون قريباً للغاية من 0 في المائة.. أي حافة الركود الخطير.
لا تزال مسألة رفع الفائدة الأمريكية محل خلاف حتى داخل الولايات المتحدة نفسها، خصوصاً مع تراجع النمو الأمريكي نفسه، وتوقعات باستمرار تراجعه في الفترة المقبلة. يضاف إلى ذلك وجود الدولار في أعلى مستوياته من حيث القيمة حيال عديد من العملات الرئيسة الأخرى، وفي حال رفع الفائدة، ستزداد قوة العملة الأمريكية، وهو أمر لا يريده المستثمرون والمنتجون الأمريكيون على وجه الخصوص. ومما لا شك فيه، ستكون الاقتصادات الناشئة على رأس الاقتصادات المتضررة من جراء هذه الخطوة على الساحة العالمية، ولاسيما في وضعيتها الراهنة سواء من جهة العقوبات أو عدم التعاون الواضح بينها وبين الاقتصادات التقليدية الكبرى.
رفع الفائدة الأمريكية، سيؤدي حتماً إلى سحب الودائع والاستثمارات من الأسواق الناشئة، فضلاً عن زيادة القيمة السعرية للسلع المستوردة، بما في ذلك المواد الأولية، إلى جانب ارتفاع تكلفة الاقتراض الخارجي. إنها مسألة أمريكية داخلية، ولكن تشعباتها العالمية لا حصر لها. وهنا تأتي تحذيرات الاقتصاديين على اختلاف توجهاتهم من رفع الفائدة. ولأن الأمر خطير بالفعل بالنسبة للاقتصاد العالمي ككل، أقدمت أخيراً كريستين لاجارد ؛رئيس صندوق النقد الدولي، على الانخراط علانية بمطالبة المشرعين الأمريكيين بتأجيل هذه الخطوة إلى العام المقبل على الأقل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي