تمر بلادنا بمرحلة مفصلية من تاريخها. أكثر ما يميز هذه المرحلة هو الغموض الشديد. تبدو النيات الدولية في موقع، ثم ما نلبث أن نكتشف أن هناك معطيات جديدة وأحداثا تخالف كل التوقعات، تلك هي آثار الأيدي الخفية التي تحاول تسيير المعادلة الدولية لمصلحتها.
لكل دولة الحق في البحث عن مصالحها. هذه قاعدة يجب أن نتأكد من استيعابنا لها قبل أن نقوم بتقييم أي فعل أو ردة فعل نشاهدها، وفي أي مكان من العالم. النجاح السياسي هو قرين القدرة على التنبؤ بالنيات والأهداف التي تدفع بالدول إلى التصرف كما تفعل.
صحيح أن محدودية مؤسسات البحث والتقصي في منطقتنا العربية، خصوصا في المملكة أدت في الماضي إلى وجود كثير من المتغيرات التي تفاجئنا عندما تحدث، لكننا اليوم في موقع ريادي، وكلما زادت أهمية الدولة وتأثيرها في القرار الدولي كثر أعداؤها، وأصبحت تحت مزيد من الضوء والبحث والتقصي والاستهداف.
قد يرى البعض أن ما يدور حولنا من المؤامرات نتج عن تطور غير محكوم أو دون تخطيط. لهؤلاء أقول: أعيدوا النظر في سير الأحداث خلال السنوات القليلة الماضية ولن أذهب بهم بعيدا، وإلا فسأتهم بأنني من مناصري نظرية المؤامرة التي يحاول كثيرون أن يعتبروها تبريرا للفشل.
تواجه المملكة اليوم مجموعة من التحديات التي لا بد أن تتعامل معها من خلال خطة شاملة تأخذ في اعتبارها كل مكونات البلاد، تدفع باتجاه الاستغناء عن الخارج، وتدفع بالمواطن للمقدمة، وتسهم في تنمية المكان والإنسان. يدعم هذه الخطة عمل دقيق ومرن للتعرف على التحديات الداخلية والخارجية. يمكن القول إن التحديات الداخلية أكثر وضوحا وأسهل في التعامل معها، لكنها تستدعي كمّا كبيرا من الولاء والانتماء للوطن من كل أبناء الوطن سواء كانوا من المنطقة نفسها أو المذهب أو مجال العمل. تشجيع تغليب المصلحة الوطنية على كل المصالح الأدنى منها مهمة تقع على عواتق وزارات الدولة ومؤسساتها، وكل المؤثرين من مواطنيها.
عندما نقف صفا واحدا في مواجهة التحديات الخارجية، لن تنتهي هذه التحديات ولكنها بالتأكيد ستكون أسهل وأقل تأثيرا. ستكون المؤامرات أوضح، والتعامل معها أكثر فاعلية. كما سيضمن لنا بقاء أهم ميزة يتمناها مَن سقطوا ضحايا المؤامرات الخارجية وهي "الأمن".
