أخلاقيات المهنة تربية وإعداد

أعتقد أن معظمنا تعامل بصورة أو بأخرى مع بعض المهنيين والحرفيين سواء من لهم علاقة بالبناء كالبنائين والمبلطين والدهانين والكهربائيين أو من لهم علاقة بالصيانة كالميكانيكيين والسباكين وغيرهم من ذوي الحرف.
قد يكون البعض منا لاحظ عليهم في سلوكهم وتعاملهم الكثير، لكن هذه الملاحظات مضت مع الوقت، ومن الأهمية بمكان عرض مثل هذه الملاحظات ومعرفة الأسس الثقافية والنفسية التي تتشكل منها هذه السلوكيات.
من تعاملي مع بعض من احتجت إلى خدماتهم للصيانة المنزلية يمكن القول إن هناك فوارق بينهم لاعتبارات الجنسية والمستوى التعليمي وربما نوع المهنة الممارسة.
من تعاملي معهم خرجت بمجموعة ملاحظات يمكن تصنيفها حسب احترام الوقت، والتسويف، وسلوك الإلحاح، والاهتمام بالجودة. فيما يتعلق بالوقت تأكد لدي بصورة قاطعة أن عامل الوقت لطالب الخدمة لا يشكل أي هاجس ولا يقيمون له بالا ويعتبرون وقت المستفيد من خدماتهم تبعا لوقتهم، ذلك أن الواحد منهم قد يعطي موعدا في وقت محدد لكن أن يتأخر بالساعات فهذا أمر اعتيادي بالنسبة له، ولو قدر لك وعتبت عليه لما وجدت منه اعتذارا بل ربما يعتب عليك لعتبك، والغريب في الأمر أنه عند توقيع الاتفاق يعطيك الوعود بالالتزام بموعد محدد لكن من النادر أن يلتزم به حتى مع كثير الإلحاح والمتابعة لتجد نفسك في نهاية المطاف شقيت ولم يتحقق الالتزام بالموعد المحدد.
السلوك تجاه الوقت يقابله حرص في المقابل تجاه وقته هو فحقوقه المالية تجده يطالب بها في وقتها أو ربما قبل ذلك حتى وإن لم ينجز ما يقابل المستحق المالي، كما أن الحرص على وقته هو يقوده إلى التعاقد لإنجاز مهمات عدة في الوقت نفسه ليضطر لتوزيع وقته بصورة مزعجة تدخله في الكثير من الإشكاليات مع من يقوم بخدمتهم.
سلوك التسويف والمماطلة يتضح بصورة جلية إذ كثيرا ما يعطي الوعود تلو الوعود دون أن يلتزم بأي منها.
الإلحاح يمثل سلوكا واضحا في تعامل الحرفيين إذ يكثر الحرفي مقدم المهنة من المطالبات التي لا تنتهي حتى وإن كانت هذه المطالبات ليست من حقوقه أو مما نص عليه الاتفاق، وربما يعود هذا الأمر إلى إشعار طالب الخدمة بصعوبة المهمة التي يقوم بها وأنه مغبون فيها، ويحدث سلوك الإلحاح بهدف تحقيق أي مكاسب يحصل عليها أو بهدف قبول المنجز بأي صورة وأي هيئة ينتهي إليها.
جودة المنجز أو الخدمة لا تحظى بكثير من اهتمام الحرفي خاصة إذا اكتشف أن طالب الخدمة ليس لديه الخبرة الكافية التي تمكنه من اكتشاف الخلل الذي يوجد أو لا يلمس منه الاهتمام والمتابعة، وفي هذا فرصة لمقدم الخدمة لإنجاز المهمة بأي صورة، كما يلاحظ قلة الاهتمام بنظافة المكان أو الحرص على الأشياء الأخرى الموجودة في مكان العمل كأن يوجد جهاز آخر في المطبخ أو دورة المياه، و يمكن تسمية هذا بسلوك اللامبالاة.
طريقة التعامل مع الزبائن غالبا ما تكون فظة وينقصها الكثير من الاحترام والذوق حتى أن المرء يشعر أن الحرفي يتصدق عليه لقيامه بهذه المهمة.
تساءلت بشأن الأسباب التي تكمن وراء منظومة السلوك المتشابه لدى كثير منهم دون تعميم عليهم جميعا، فألفيت أن الثقافة المجتمعية العامة قد تكون أحد الأسباب، ولذا نجد التفاوت النوعي بين من ينتمون لجنسيات مختلفة حتى تشكلت صور ذهنية مختلفة نحو الحرفيين بناء على جنسياتهم من حيث التميز بالثقة والحرص على الجودة لجنسية دون أخرى والنظافة والحرص على الوقت لدى أبناء بلد آخر.
الإعداد المهني والتدريب ربما يمثل سببا جوهريا للاختلاف بين العاملين في سوق العمل، فالبعض منهم اكتسب مهنته من خلال إعداد مهني رسمي تخلله ما يمكن تسميته بالتربية المهنية التي تتضمن مبادئ وأسس التعامل والحرص على الجودة إضافة لمعرفة الحقوق والواجبات، كما أن البعض الآخر اكتسب المهنة بالممارسة وبأسلوب المحاولة والخطأ.
الأوطان التي يوجد فيها جمعيات ونقابات مهنية ربما يكون لها دور إيجابي في إلزام المنتسبين إليها بقواعد وأصول عمل وأخلاقيات تضمن تقديم خدمة راقية مع ضمان حقوق الطرفين المادية والمعنوية. أرجو ألا يفهم القارئ الكريم أن أرباب العمل لا يخطئون ولا يسيئون التعامل بل يحصل الكثير من الممارسات المسيئة في حق من يخدموننا ويقدمون لنا خدمات لا نقوم بها نحن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي