«نائمة لعن الله من أيقظها»
أبو الفرج ابن الجوزي، عالم وفقيه حنبلي وأحد أشهر الوعاظ في تاريخ الإسلام، يرجع نسبه إلى أبي بكر الصديق ـــ رضي الله عنه ـــ عاش ابن الجوزي في القرن السادس الهجري في بغداد، وكان له مجلس وعظ كبير، يحضره خلائق لا تحصى من الناس سنة وشيعة، وفي مجلس من هذه المجالس، والخلائق تحيط به، سأله شخص عن أفضل الصحابة؟ وهو سؤال قد تنشأ عن الإجابة عنه فتنة بين الحضور، فإن أجاب ابن الجوزي بما يعتقده وما يجمع عليه أهل السنة من أنه الصديق، فإن إجابته لن ترضي الشيعة، الذين يجمعون على أفضلية علي بن أبي طالب ـــ رضي الله عنه ـــ في هذه اللحظة الحرجة قدح ذهن ابن الجوزي عن إجابة شديدة الذكاء، فقال: أفضلهم الذي ابنته تحته، أي زوجته، ففهم أهل السنة أنه يقصد أبا بكر الصديق لأن ابنته عائشة أم المؤمنين ـــ رضي الله عنها ــــ زوجة رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ وفهم الشيعة أنه يقصد علي بن أبي طالب لأن فاطمة ـــ رضي الله عنها ـــ بنت رسول الله ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ زوجته.
العالم أو الواعظ أو السياسي الحكيم هو من يسهم في وأد الفتنة ودفنها، حتى لو اضطر إلى استخدام المعاريض أو التورية، لأنهم يعرفون أن هناك من يندس بين الناس لإثارة الفتنة وإشعال نار الحقد والكراهية، ولأنهم يعرفون أن هناك أيادي خبيثة خفية تحرك كثيرا من الأخباث المندسين، والجهلة المغفلين.
أحمد الله أن في بلادي قادة حرصاء كل الحرص على وأد الفتنة قبل أن تشتعل نارها، وعلى الإصلاح بين الناس وتصفية النفوس، وكم يكبرون في نفسي وعيني حين أقارنهم بساسة وقادة بعض الدول العربية والإسلامية، الذين يشعلون جذوة الفتنة ويشبون نارها فتصطلي بها شعوب لا ذنب لها، مغلوبة على أمرها.
اللهم احفظنا واحفظ بلادنا وأوطاننا، و"الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها".