«حطيت الأجرب لي صديق مباري»
«حطيت الأجرب لي صديق مباري»
تحظى قصيدة الإمام تركي بن عبدالله الآتية بأهمية كبيرة، وذلك بسبب قيمتها الجمالية، فهي من روائع الشعر النبطي، إضافة إلى أن ناظمها هو مؤسس الدولة السعودية الثانية، ويمتلك محبة كبيرة في قلوب الناس، كما أنها تعد وثيقة تؤرخ لفترة زمنية من تاريخنا. ونظراً إلى أهميتها فقد اعتنى مدونو وجمّاع الشعر النبطي منذ وقت مبكر بتسجيلها في دفاترهم التي جمعوا فيها نخبة من القصائد النبطية.
ولعل أقدم المخطوطات التي وصلتنا وفيها هذه القصيدة: هي واحدة من تلك التي اشتراها الرحالة تشارلز هوبير عند زيارته الأولى لحائل سنة 1295هـ / 1878م، وهن ثلاث مخطوطات يهمنا منها المخطوطة التي سماها ألبرت سوسين (هوبير 1)، وتوجد في مكتبة جامعة ستراسبورج برقم 1255، وتبدأ هذه المخطوطة بقصيدة للمهادي، وتنتهي بقصيدة لحميدان الشويعر. وهي غير مرقمة الصفحات، وتأتي قصيدة الإمام تركي في الورقة رقم 11 منها، وتبلغ 31 بيتاً. وهذه المخطوطة كتبت بعد عام 1282هـ، وهي سنة وفاة الأمير عبيد بن رشيد، الذي يترحم عليه كاتب المخطوطة. أما المخطوطة المتقدمة الثانية التي وردت فيها هذه القصيدة، فهي التي تملكها عبدالمحسن الذكير، من أهل عنيزة، وهذه المخطوطة كتبت بالتأكيد بعد عام 1291هـ، سنة وفاة الشاعر صالح الحمود الخنيني، الذي يصفه الجامع بالمرحوم. وتوجد القصيدة في الصفحة 120، وتبلغ 29 بيتاً. هاتان المخطوطتان هما المعتمدتان في تحقيق نص القصيدة الآتي، وقد استعنت بمخطوطات أخرى مثل المخطوطة التي كانت في ملك منصور الحسين العساف، وقد كتبت قبل عام 1365هـ، وهذه المخطوطة أصبحت لدى الشيخ عبدالله بن خميس، الذي أعارني إياها عام 1415هـ أثناء تحقيقي مخطوطة "لباب الأفكار في غرائب الأشعار"حيث صورتها وأعدتها له، فأهداها لمكتبة الملك فهد الوطنية، وهي محفوظة هناك. كما استعنت بمخطوطة "لباب الأفكار في غرائب الأشعار" للراوية الراحل محمد بن عبدالرحمن بن يحيى. وقد قارنت النص مع الموجود في بعض الكتب المطبوعة مثل: "خيار ما يلتقط من الشعر النبط" لعبد الله بن خالد الحاتم، وكتاب "روضة الشعر" المنشور في البحرين أول مرة عام 1956م، ويعد كتاب الحاتم مصدراً لعدد من الكتب التي نشرت هذه القصيدة، وقد طبع كتابه في دمشق سنة 1372هـ / 1952م، وتشكل روايته، ورواية كتاب "روضة الشعر" الأهمية الأكبر بين المراجع المطبوعة لأقدميتها، ومن الواضح أن كليهما قد اعتمدا مصدراً مختلفاً عن الآخر.
وتأتي رواية الراوية الراحل منديل بن محمد الفهيد في كتابه "من آدابنا الشعبية" شبه مطابقة لما عند الحاتم، ومن المرجح لدي أنه قد اعتمد عليه مع تعديل يسير لبعض الألفاظ، حتى مقدمة القصيدة أيضا نقلها بتصرف، وفيها تاريخ افترض الحاتم أن الإمام تركي قال هذه القصيدة فيه، وهو عام 1235هـ. لكن الفهيد ينفرد ببيت لا نجده عند الحاتم، ولا نجده في المصادر والمراجع السابقة:
يبقا الفخر وانا بقبري معرا
وافعال تركي مثل شمس النهاري
وعدم وجود هذا البيت في المصادر والمراجع المتوافرة قبل طباعة كتاب الفهيد يجعل الباحث يميل إلى أن هذا البيت منحول، ومدرج ضمن القصيدة.
هناك أمر يلفت النظر فالمراجع المطبوعة وبعض المخطوطات تكاد تتفق على البيت الذي ورد فيه ذكر السيف الأجرب:
يوم أن كلٍ من عميله تبرا
حطيت الاجرب لي عميلٍ مباري
مع اختلافهما في لفظتي عميله وعميل، اللتين تأتيان: رفيقه، رفيق، صديقه،صديق، خويه، خوي، عشيره. بينما الذي نجده في المخطوطتين الأقدمين – هوبير والذكير - مختلف عن ذلك:
يوم ان كلٍ من عميله تبرا
ونجدٍ غدت باب بليا سواري
أما البيت الذي يرد فيه ذكر الأجرب فهو:
ولا سلت عن من قال لي لا تزرا
حطيت الاجرب لي صديقٍ مباري
بينما عند أولئك يأتي عجز هذا الصدر: ونجد غدت باب بليا سواري، فالبيتان عند الجميع، ولكن الاختلاف في تركيب الأعجاز على الصدور. ويحاول الحاتم أن يجمع بين الروايتين فيكرر الشطر الخاص بالأجرب مع الصدرين، وهذا ما لم يتقبله الآخرون منه، لمخالفته القواعد الشعرية المتعارف عليها، لذلك يعرض من نقل عنه عن البيت الثاني ويسقطونه.
###تاريخ نظم القصيدة:
يذكر الحاتم (خيار ما يلتقط من الشعر النبط، الكويت، منشورات ذات السلاسل، الطبعة الثالثة:1981م، ج 2 ص 15)، ويتابعه الفهيد (من آدابنا الشعبية في الجزيرة العربية، قصص وأشعار، الرياض، دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، الطبعة الأولى:1398هـ/ 1978م، ص 21) أن الإمام تركي نظم القصيدة عام 1235هـ، ولكنه لا يورد دليلاً على ذلك. وهو أمر استبعده للأسباب الآتية:
أولاً: أن الحاتم غير دقيق في تحديده للتواريخ، وفي كتابه عديد من الأخطاء في هذا المجال.
ثانياً: أنه لم يذكر مصدره في هذه المعلومة.
ثالثاً: أن مضمون القصيدة يدل على استقرار الأمور للإمام تركي، وهذا ما لم يحدث إلا في عام 1240هـ. لذلك فإن الأقرب عندي أن القصيدة قيلت بين عام 1240هـ إذ استرد الإمام تركي الرياض، وبدأت الأمور بالاستقرار، وعام 1241هـ حين هرب مشاري بن عبدالرحمن من مصر إلى الرياض كما يذكر ابن بشر في عنوان المجد (ج2 ص41).
###مناسبة القصيدة:
يُفهم من القصيدة أنها جواب على رسالة بعثها الأمير مشاري بن عبدالرحمن بن مشاري بن سعود إلى الإمام تركي بن عبدالله يشكو إليه ما يلاقيه من هموم وضيم في مصر، فبعث إليه الإمام هذه القصيدة يلومه فيها على بقائه في مصر، ويحثه على العودة إلى الرياض، ويوضح له الحالة التي أصبحت عليها المنطقة، من استتباب للأمن، وحكم بالشرع، ويبين كيف تمكن من استرداد الحكم، كما يوصيه أن يبلغ سلامه للموجودين هناك من وجهاء نجد، وإخبارهم بالمضامين السابقة، وهو يهدف من ذلك إلى ترغيبهم في الرجوع إلى الوطن.
###القصيدة:
طَارْ الكرى عن موْق عيني وفَـرّا
وفَزّيْتْ من نومي طَرَا لي طُوَاري()
وابْدِيْتْ من جَاشْ الحَشَا ما تـدرَّا
واسْهَرْت من حولي بكثر الهَذَاري
خَطٍّ لفاني زاد قلبي بْحَرَّا
من شاكي ضيم النّيَا والعَـزَاري()
سِرْ يا قلم واكتب على ما تـورَّا
مني سلامٍ لابن عمـي مْشَـاري( )
شيخٍ على دَرْب الشجاعة مْضَرَّا
من لابةٍ يـوم الملاقـى ضـواري( )
يا ما اسهروا من حاكمٍ مـا يطـرا
واليوم دنيا ضاع فيهـا افتكـاري
تشكي لمن يبكي له الجود طـرا
ضَرَّاب هَامَات العدى مـا يـداري()
يا حيْف يا خَطْو الشجاع المضَرَّا
في مصر مملوك لحمر الحداري( )
من الزاد غادٍ لـه سَنَامٍ وسرّا
من الذل شبعانٍ من العز عـاري
وش عاد لو تَلْبَس حريـرٍ يْجَـّرا
ومْتَوّجٍ تاج الذهـب بالعزاري( )
دنياك هذي يا ابن عـمي مغـرا
لا خير في دنيا تور النكاري
تسقيك حلـوٍ ثـم تسقيـك مـرا
ولذّاتهـا بيـن البرايـا عـواري
اكفخ بجنحـان السعـد لا تـدرا
وما قدّر الباري على العبد جـاري ( )
ما في يد المخلوق نفـعٍ وضـرا
والعمر ما ياقـاه كثـر المـداري
اسلَمْ وسلّم لي على مـن تـورا
واذكر لهم حالي وما كان جـاري
انْ سايلوا عنـي فحالـي تسـرا
قبقب شراع العز وان كنـت داري
يـوم ان كـلٍ مـن عميلـه تبـرا
ونجد غـدت بـابٍ بْلَيَّـا سـواري( )
رميت عنـي برقـع الـذل بـرا
ولا خير فيمن لا يدوس المحاري
ونزلتها غصـبٍ بخيـرٍ وشـرا
وجمعت شمل بالقرايـا وقـاري
ومن ثمن القافي جزا ما تبرا
وتازي حريمه للجواري جواري( )
ومن غاص غبات البحر جاب درا
ويحمد مصابيح السرى كل ساري
انا احمد اللي جاب لي ما تحرا
واذهب غبار الذل عني وطاري
واحصنت نجد عقب ما هي تطـرا
مصيونةٍ عن حر لفـح المذاري
واجهدت في طلب العلى لين قرا
وطمنت هامات العدى بالهواري( )
والشرع فيها قد مشـى واستمـرا
يقرا بناديها الضحى كل قاري( )
وزال الهوى والغيّ عنهـا وفـرا
يقضى بها القاضي بليا مصاري
ولا سلت عن من قال لي لا تـزرا
وحطيت الأجرب لي صديقٍ مباري()
نعم الرفيق الى سطا هم جرا
يودع مناعير النشامى حباري
وشربت من كاس العسل عقب مرّا
وطاب الكرى مع لابسات الخزاري()
والعمر ما يزتاد مثقال ذرا
ما قَدّر الباري على العبد جاري( )
وصلاة ربي عد ما خطت الرا
على النبي ما طاف بالبيت عاري( )