«كامب ديفيد» قمة تجديد العلاقات
الالتزام الذي أعلنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في قمة "كامب ديفيد"، حيال أمن بلدان الخليج العربية والمنطقة، هو امتداد لتعهد (التزام) أمريكي تاريخي مشابه. وإذا ما كان هناك فارق بين الالتزام القديم والالتزام الجديد، فهو ينحصر في مدى التزام إدارة أوباما بما أعلنته. فلم يعد خافيا على أحد، القلق الإقليمي وحتى الدولي من سياسة هذه الإدارة خارجيا. وقد سمعت واشنطن شروحات مفصلة لهذا القلق على مدى السنوات التي قبع فيها أوباما في البيت الأبيض، ولا سيما، بعد أن وضع الوصول إلى اتفاق نووي مع إيران هدفا، بدا للجميع أنه أهم من كل الأهداف الخارجية للولايات المتحدة. وعلى الرغم من أهمية هذا الهدف، إلا أن الاندفاع الأمريكي الذي بدا حتى لحلفاء الولايات المتحدة الغربيين مبالغا فيه، حيث أعطى انطباعا أن أوباما يريد اتفاقا لمجرد الاتفاق.
غير أن قمة "كامب ديفيد" الخليجية ــ الأمريكية، وضعت أغلب النقاط على الحروف، في مسألة التهديد الذي تمثله إيران من خلال استراتيجية التخريب التي تتبعها، ليس الآن فحسب، بل منذ أكثر من ثلاثة عقود. فنظام الملالي في طهران، لا يكتفي فقط بدعم تنظيمات وعصابات إرهابية في هذا البلد وذاك، بل يرعى الإرهاب بتوصيفه الكامل. وهذا ما يعترف به الأمريكيون أنفسهم، بمن فيهم المهرولون منهم إلى الاتفاق النووي المحتمل. وخطر إيران يفوق خطر التنظيمات الإرهابية الأخرى، التي يمكن القضاء عليها. فإرهاب الدولة هو أخطر أنواع الإرهاب في المنطقة وغيرها، خصوصا عندما يدخل في طور "المؤسسة". وعلى هذا الأساس، جاء اتفاق "كامب ديفيد" واضحا في التصدي لأنشطة إيران المزعزعة لأمن المنطقة.
والأمر هنا يتطلب منظومة دفاعية جديدة لبلدان الخليج العربية التي لم يتراجع التهديد الإيراني التخريبي لها يوما. وهو ما تم الاتفاق عليه في القمة المذكورة. وبناء القدرات الدفاعية الخليجية المطلوبة، سيتم بمساعدة فنية أمريكية، دون أن ننسى الالتزام الأخير لواشنطن بهذا المجال، بل الالتزام التاريخي الذي أعلنته إدارة الرئيس الأمريكي الراحل دوايت آيزنهاور. لكن لم تقدم الولايات المتحدة في هذه القمة جديدا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فقد أعلنت موقفها المتوائم مع المبادرة العربية الشهيرة في هذا المجال، من خلال الحل على أساس دولتين، رغم أن إدارة أوباما، كانت أكثر الإدارات الأمريكية تقاعسا في هذا المجال. لا معنى لخلافات يحب البيت الأبيض إظهارها مع حكومة بنيامين نتنياهو. فالحقيقة، أن واشنطن لم تحرك ساكنا في هذا الموضوع.
لكن يبقى التهديد الإيراني التخريبي للمنطقة كلها المحور المتفاعل في الوقت الراهن. ولا بد من أن تكون هناك أدوات فاعلة حقيقية لمواجهته، خصوصا في ظل تحدي إيران ليس فقط لمصالح شعوب المنطقة، بل لتعهدات وقرارات دولية مختلفة. بالأمس فقط، تحدت قرار مجلس الأمن الدولي الخاص باليمن، وهي لا تزال توفر الدعم الذي لا يتوقف لعصابات الحوثيين ومرتزقة علي عبدالله صالح، دون أن ننسى الاحتلال الإيراني الحقيقي لسورية والعراق، ومحاولات التدخل المستمرة في الشأن البحريني الداخلي. لم تعد مواقف الولايات المتحدة المعلنة مهمة في الواقع، بقدر الالتزام الفعلي بهذه المواقف، والأهم فهمها الحقيقي للخطر الإيراني. كما أنه ينبغي أن تتخلص إدارة أوباما من مسألة التوصل لاتفاق نووي مع إيران لمجرد الاتفاق، وأن تتنبه للمعارضات الهائلة لاتفاقات غير محسوبة من داخل الولايات المتحدة نفسها.
تمثل قمة "كامب ديفيد" نقطة انطلاق جديدة للعلاقات بين بلدان الخليج العربية والولايات المتحدة. لأن هذه العلاقات احتاجت إلى التجديد فعلا، من فرط الفوضى التي تسببت فيها السياسة الخارجية الأمريكية على الساحة الإقليمية طوال السنوات التي جلس فيها باراك أوباما في البيت الأبيض.