مخطوطة تسجل يوميات الملك عبد العزيز في مصر
مخطوطة بعنوان "الرحلة الملكية السعودية إلى مصر" تسجل يوميات الزيارة التاريخية التي قام بها الملك عبد العزيز إلى مصر، كتبها عبد الحميد مشخص (1334 - 1431هـ) بأمر أمير الرياض ناصر بن عبد العزيز، وأهداها إليه. وقد كتبها على الأغلب عام 1365هـ، بعد الزيارة مباشرة، ويصف في بدايتها الأمير ناصر بأمير الرياض، ومن المعروف أن الأمير سلطان بن عبد العزيز عُيّن مكانه في إمارة الرياض عام 1366هـ. وذكر مشخص أنه قام بجمع وترتيب هذا العمل، وهذا وصف دقيق، لأن المخطوطة عبارة عن تقارير ومقالات وقصائد نشرت في صحف سعودية ومصرية. والمخطوطة محفوظة في مكتبة جامعة الملك سعود برقم 3153، وتقع في 270 ورقة.
تبدأ المخطوطة بالحديث عن سفر بعثة الشرف المصرية من السويس ووصولها إلى جدة يوم السبت 2 صفر 1365هـ/ 4 كانون الثاني (يناير) 1946م، ومن ضمنها: مراد محسن باشا، وإسماعيل تيمور باشا وعباس محمود العقاد وذكر أنه عضو مجلس الشيوخ المصري، وكريم ثابت وغيرهم، وقد استقبلهم وفد رسمي في جدة وتوجهوا بعدها إلى مكة، وبعد العمرة التقوا الملك عبد العزيز وأخاه عبد الله وبعض أولاده وبعض المسؤولين. وفي يوم الإثنين 4 صفر سافر الملك من مكة إلى جدة ثم استقل السفينة المحروسة مع الوفد السعودي والبعثة المصرية، ومن أعضاء الوفد السعودي: أخوه عبد الله، وعدد من أبنائه، وهم الأمراء: محمد وخالد وفهد وعبد الله وبندر ومساعد وعبد المحسن ومشعل وسلطان ومتعب وطلال ونواف، وعدد من المسؤولين من بينهم: عبد الله السليمان ويوسف ياسين وعبد الله السديري وبشير السعداوي وخالد أبو الوليد وحمزة غوث ونوري السعداوي وعبد الرحمن الطبيشي وعبد الله بن عثمان ومحمد الدغيثر ورشدي ملحس وعز الدين الشوا ورشاد فرعون وأحمد الغزاوي وماجد بن خثيلة ومطلق بن زيد (الجبعا) وغصاب بن منديل وسلطان بن منديل وإمام الملك عبدالرحمن القويز وسعيد جودت ومحمد سرور الصبان وسليمان الحمد وإبراهيم شاكر وعبد الله التويجري وعبد الله الحميدي ومحمد بن عثمان ومحمد علي خزندار وإبراهيم السويل وعلي عوض ومحمد العبد الرحمن الشبيلي وعبد الرحمن بن عمران وسعود الدغيثر ومحمد الدغيثر الحسن وفؤاد شاكر وبعض موظفي الإذاعة والحرس الملكي والخويا وغيرهم. ويأتي بعدها حديث عن نمط حياة الملك عبد العزيز في السفينة، وطريقته في الدرس اليومي، وذكر أن إمامه القويز يقرأ عليهم من تفسير ابن كثير، ثم تقرأ الأخبار اليومية على الملك، ثم تسامر مع كبار من معه حتى وقت النوم.
في اليوم الثاني ذكر أن الملك كان سعيداً بجمال الرحلة، وأنه تحدث عن تاريخه وحروبه، ثم ألقيت بعض القصائد والكلمات أمامه منها قصيدة ألقاها العقاد، ويذكر أن الملك أهدى صورتين له كتب عليهما بخطه "بسم الله الرحمن الرحيم، من الواثق بالودود عبد العزيز آل سعود" للعقاد وكريم ثابت. ويتحدث بعدها عن وصولهم يوم الخميس إلى السويس حيث استقبلهم الملك فاروق، ثم توجهوا إلى القاهرة بالقطار. ويذكر أن الزينة أقيمت في كل المدن والقرى من السويس إلى القاهرة، وأن الأعلام السعودية والمصرية علقت على البيوت وفي الشوارع، كما كتبت عبارات الترحيب وعلقت في الشوارع، وأن طلاب المدارس وأساتذتهم والأهالي خرجوا لاستقبال الملك عبد العزيز والترحيب به. وبعدها يتحدث عن وصولهم إلى القاهرة والاحتفالات التي جرت ذلك اليوم، ويذكر أن القاهرة زيّنت بشكل لم يسبق له مثيل، وأن الزيارة كانت مضرب الأمثال، وأنه رصد للاحتفالات مبلغ نصف مليون جنيه، بعضها من تبرعات أهل القاهرة. ويرد اسم ولي العهد الأمير محمد علي توفيق على رأس مستقبلي الملك عبد العزيز في القاهرة. ويتكرر وصف للموكب حين يمر بشوارع القاهرة وخروج الناس بشكل كبير وأصواتهم "تشق عنان الفضاء" لتحية الملك السعودي. ثم يذكر أن الملك نزل في قصر الزعفران ومعه أنجاله، أما رجال الحاشية فكان نزولهم في فندق الكونتننتال «كذا»، ويورد بعدها الأوسمة والأوشحة التي منحها الملك فاروق، فيذكر أنه منح الأمير عبد الله بن عبد الرحمن الوشاح الأكبر من نيشان إسماعيل، ومنح أبناء الملك عبد العزيز الوشاح الأكبر من نيشان النيل، ومثلهم عبد الله السديري وعبد الله السليمان ويوسف ياسين وفوازن السابق. أما البقية فقد منحوا نيشان النيل من الطبقة الثانية والثالثة والرابعة والخامسة، ونوط الرضا الذهبي والفضي. ويتحدث بعدها عن حفلة العشاء التي أقيمت للملك عبد العزيز مساء يوم الخميس 10 كانون الثاني (يناير) 1946م في قصر عابدين.
#2#
في يوم الجمعة ذهب الملك عبد العزيز ومن معه لأداء صلاة الجمعة في الجامع الأزهر، وقد سبقها تلاوة للشيخ الشعشاعي، ثم ألقى الخطبة شيخ الجامع الأزهر. وفي المساء أقام لهم رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي مأدبة العشاء، وألقى في هذه المناسبة عباس العقاد قصيدة في تحية الملكين. وفي يوم السبت قام الملكان عبد العزيز وفاروق بزيارة لجامعة الملك فؤاد، وأقيم حفل وصفته المخطوطة بشكل مفصل، وأهدى الدكتور مصطفى مشرفة باسم الجامعة مجموعة من الكتب إلى الملك عبد العزيز تحتوي على دواوين شعرية وتواريخ وآداب وفلسفة إسلامية. وأقيم عرض رياضي حضره الملكان. وبعد الظهر أقيمت مأدبة غداء في قصر عابدين تكريما للملك عبد العزيز، وبعدها أقيم مهرجان حضره الملك عبد العزيز وفي المساء مأدبة عشاء في قصر الزعفران، ألقى خلالها ثلاثة من شعراء السعودية قصائدهم، وهم: أحمد إبراهيم الغزاوي، وفؤاد شاكر، وحسين فطاني.
يوم الأحد 9 صفر 1365هـ/ 13 كانون الثاني (يناير) 1946م حضر الملكان سباق الخيل في مصر الجديدة، وأهدى الملك عبد العزيز لكل فائز ساعة ذهبية نقش عليها اسمه. وفي يوم الإثنين خامس أيام الزيارة أقيم عرض عسكري عند الكيلو الثاني من طريق مصر - السويس، وهو أضخم عرض عسكري منذ أيام محمد علي، فقد شارك فيه 36 ألف جندي.
وشارك في تغطية العرض مائة مصور، وهو أكبر عدد للمصورين يجتمع في حفل رسمي في مصر. وقد استوقف الملك عبد العزيز خلال العرض مدفع مضاد للطائرات، ولاحظ به آلة جديدة لم يسبق له أن رآها، فسأل عنها وقالوا له إنها اختراع حديث لأحد ضباط سلاح المدفعية المصرية لمعرفة مدى سرعة الطائرات، فطلب الملك عبد العزيز حضور هذا الضابط وهو الملازم حلمي عفيفي أفندي، فجاء وسر الملك عبد العزيز لما رآه وطلب منه أن يشرح له كيفية استعمال اختراعه. وبعدها أقامت لهم السفارة البريطانية مأدبة غداء، ثم ذهبوا بعدها لزيارة أهرامات الجيزة. وفي اليوم السادس، يوم الثلاثاء زار الملك عبد العزيز ومن معه قناطر محمد علي وحديقة القناطر الخيرية، وأقيمت حفلة شاي ألقى فيها الدكتور حسين هيكل باشا رئيس مجلس الشيوخ كلمة ترحيبية. ويوم الأربعاء قاموا بزيارة المتحف الزراعي وحديقة الحيوانات وإصلاحية الأحدث في الجيزة. وفي يوم الخميس 13 صفر/ 17 كانون الثاني (يناير) ذهبوا بالقطار لزيارة المحلة الكبرى، وهناك زار الملك عبد العزيز مصانع غزل القطن والصوف، ثم زار المستشفى، ثم حضر الحفل وفي أثنائه حان وقت الصلاة فأم المصلين الأمير عبد الله بن عبد الرحمن. وقد خرج عشرات الألوف من أهالي المحلة لاستقبال الملك عبد العزيز. وعاد في مساء اليوم إلى مقر إقامته في القاهرة.
#3#
في يوم الجمعة ذهبوا لزيارة أنشاص وصلّوا الجمعة هناك مع الملك فاروق، وتجول الملك عبد العزيز في المزارع واستقبل عددا من وجهاء القبائل البدوية الذين جاءوا للسلام عليه.
ويوم السبت أناب الملك عبد العزيز أخاه الأمير عبد الله لزيارة مستشفى الملك فؤاد الأول، فذهب مع بقية الأمراء والوفد، وهناك قابل طبيباً مصرياً اسمه أمين بك ماهر كان عالجه في الرياض. وبعد أن تجولوا في أقسام المستشفى وشاهدوا بعض العمليات عادوا إلى الملك عبد العزيز، ثم توجه الجميع بعدها إلى الإسكندرية بالقطار، وكان يقابل في كل المحطات عبر الطريق باستقبال حافل. وفي الإسكندرية أعجب الملك عبد العزيز بكورنيشها، وذكر أن الفضل في روعته للملك فؤاد ولإسماعيل صدقي باشا. وخلال زيارة الإسكندرية زار بعض الأمراء مسجد أبي العباس. وقد نزل الملك عبد العزيز في قصر رأس التين. وفي يوم الأحد قاموا بزيارة مستشفى الملك فؤاد الأول ثم توجهوا إلى حديقة النزهة حيث أقامت لهم البلدية مأدبة غداء حضرها الملك فاروق، وعاد الملك عبد العزيز بعدها إلى قصر رأس التين، ثم توجهوا إلى قصر المنتزه حيث أقيمت لهم حفلة شاي، وفي المساء استقبل الملك عبد العزيز في قصر التين بعض المسؤولين الذين قدموا للسلام عليه. وفي يوم الاثنين 17 صفر/ 21 كانون الثاني (يناير)، وهو اليوم الثاني عشر لزيارتهم مصر، ذهب الملك عبد العزيز لزيارة ميناء الإسكندرية، وبعدها توجه إلى محطة كوم الدكة واستقل القطار عائداً إلى القاهرة، وبعد وصوله القاهرة توجه إلى قصر عابدين حيث أقام له الملك فاروق مأدبة غداء، وأهدى الملك عبد العزيز خلالها صورته إلى الملك فاروق، وكتب عليها: "بسم الله الرحمن الرحيم، من الواثق بالودود، أخيكم عبد العزيز آل سعود".
وعاد بعدها إلى مقر إقامته بقصر الزعفران. وفي المساء استقبل نقيب الصحفيين وأعضاء مجلس نقابة الصحفيين. بعدها تذكر المخطوطة الهدايا التي تبادلها الملكان، والهدايا التي بعثها الملك عبد العزيز للملكة نازلي والأميرات والأمراء ورجال الدولة، والهدايا التي قدمها الملك فاروق للوفد السعودي.
في يوم الثلاثاء 18 صفر غادر الملك عبد العزيز والوفد المرافق له القاهرة بالقطار بعد أن ودعه الملك فاروق، وتوجه القطار إلى السويس ومنها استقل اليخت الملكي المحروسة عائداً إلى جدة التي وصلها يوم الجمعة. وتتحدث المخطوطة في الصفحات التي تليها عن الاستقبال الحافل للملك عبد العزيز في جدة ومكة ثم الرياض. ويرد بعدها بعض الكلمات والخطب التي ألقاها بعض المسؤولين المصريين خلال زيارة الملك عبد العزيز لمصر، ثم بعض كلمات المسؤولين السعوديين عند استقبال الملك بعد رجوعه، ثم ثلاثة قصائد قالها الغزاوي.
###ديوان الرحلة:
القسم الثاني من المخطوطة بعنوان "ديوان الرحلة"، ويشتمل على قصائد قيلت خلال الرحلة إلى مصر للشعراء: عباس محمود العقاد، فؤاد شاكر، إبراهيم محمد إبراهيم، محمد الأسمر، خليل مطران، علي محمود طه، قصيدة أخرى للعقاد، ثم قصيدة رائية مطولة لم يذكر قائلها، قصيدة أخرى لفؤاد شاكر، ثم ثلاث قصائد لأحمد إبراهيم الغزاوي. والفصل الذي بعده بعنوان "تحية الإذاعة"، ويورد فيه بعض القصائد والأغاني التي أذيعت في مصر أثناء الزيارة، ويبدأ الفصل بقصيدة لمحمد الأسمر، ثم أغنية لمحمد عبد الوهاب من كلمات صالح جودت، أولها:
يا رفيع التاج من آل سعود
يومنا أجمل أيام الوجود
ثم قصيدة أحمد شوقي: سلوا قلبي، التي لحنها رياض السنباطي وغنتها أم كلثوم. ولم تشر المخطوطة إلى أن آخر خمسة أبيات في هذه القصيدة ليست لشوقي المتوفى عام 1932م، إنما أضافها الشاعر محمد الأسمر احتفاء بالملكين عبد العزيز وفاروق، وظلت هذه الأغنية تذاع بشكل يومي طيلة أيام زيارة الملك عبد العزيز بزيادة الأسمر، ثم حذفت الإضافة بعد ذلك، والزيادة هي:
وكيف ينالهم عنت وفيهم
رضا ملكين بل روضين طابا
إذا الفاروق باسم الله نادى
رأى عبد العزيز قد استجابا
فصن يا ربنا الملكين واحفظ
بلادهما وجنبها الصعابا
هما فجر العروبة أنجبته
فقالت يومي المرجو آبا
إذا اتحدت أسود الشرق عزّت
عروبتهم وصار الشرق غابا
#4#
ومما يضاف هنا أن مجلة المصور في عددها 1111 بتاريخ 25/ 1/ 1946م ذكرت أن الملك عبد العزيز أرسل هدية لأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعلي محمود طه تقديراً لأغانيهم في الإذاعة، والهدية عبارة عن كساء عربي وساعة ثمينة. وعن إضافة الأسمر بعض الأبيات إلى قصيدة شوقي، كتب سيد قطب مقالة في حينها يعتبر هذا العمل فضيحة لا تليق بمصر، "فضيحة وقعت مع الأسف في استقبال العاهل العربي العظيم"، معتبراً أن مضمون قصيدة شوقي ليس له علاقة بالحدث، وأن إضافة الأسمر جاءت ركيكة مهلهلة، وشكا في مقالته من رداءة ألحان هذه الأغنية. ويأتي في المخطوطة بعد قصيدة شوقي موال من كلمات الدكتور سعيد عبده وغناء صالح عبد الحي، ثم أغنية بدوية من كلمات محمد بيرم التونسي، وتلحين وغناء الكحلاوي، ثم قصيدة للشاعر علي أحمد باكثير، ثم قصيدة لإبراهيم أبو سعدة، ثم قصائد لمحمد البرعي، وأحمد محفوظ، وعبد الهادي الطويل، ورشيد أكرم، وعبد الغني سلامة. ثم قصائد لشعراء سعوديين أو مقيمين في السعودية قالوها بعد عودة الملك عبد العزيز، وهم: حسين ثقيف، وأحمد العربي، وضياء الدين رجب، وعلي حافظ، وعمر مرعي، وزهير السعداوي، وصالح بن عبد العزيز بن عثيمين، وعبد الكريم بن جهيمان، وعثمان بن ناصر بن صالح، وعبد الحميد الخطيب.
تشير المخطوطة في الكثير من صفحاتها إلى ضخامة الاستقبال الشعبي للملك عبد العزيز، من طبقات المجتمع المصري كافة، ومن بينهم جماعة الإخوان المسلمين.