اجتماع كامب ديفيد .. وندية الحوار

يعقد الرئيس الأمريكي أوباما وزعماء دول الخليج العربي اجتماعا في كامب ديفيد الأمس واليوم، وما من شك أن هذا الاجتماع لا يمكن عزله في أهدافه ونتائجه عن الظروف المحيطة بالمنطقة. لكن بهدف تحليل الاجتماع وما قد ينجم عنه لا بد من الأخذ في الاعتبار مجموعة أمور؛ أولها المكان ألا وهو كامب ديفيد سيئ السمعة، الذي عقد فيه اجتماع كامب ديفيد بين الرئيس كارتر والرئيس أنور السادات والإرهابي مناحيم بيجن رئيس وزراء صهيون في حينه. كامب ديفيد أنتج ما يسمى معاهدة السلام، التي ترتبت عليها فرقة وشتات العرب وضعفهم منذ ذلك الوقت حتى الآن، لخروج مصر عن الصف والإجماع العربي وتقييدها بمعاهدة جائرة.
الأمر الثاني يتمثل في الوقت، وما من شك أن الظرف والزمن الحساس وما تمر به منطقتنا من أزمات وحروب وقلاقل لا بد أن تلقي بظلالها على سير ومجريات الأمور والمحادثات، لأنها تمثل هاجساً لدى الزعماء الخليجيين الذين يسعون لتجنيب أوطانهم ومنطقتهم الأخطار المحدقة، في حين أن الجانب الأمريكي تمثل له هذه الأحداث والأزمات فرصة استثمارية كبيرة يسيل لها لعاب الساسة الأمريكان ورجال المال والأعمال لتشغيل مصانعهم وشركاتهم الاستثمارية وبيع السلع خاصة الغالية، كالسلاح بكل أنواعه الجيد والرديء.
الظروف المتوترة في المنطقة قد يكون لها تأثير إيجابي أو سلبي، فمن يده في النار ليس كمن يده في الماء، ولذا الحوار وآليته إما أن تسير بندية بين الطرفين وإما أن تكون بفوقية يمارسها الجانب الأمريكي لشعوره بالقوة، وحاجة الجانب الخليجي إلى دعمه، ولذا فإن الجانب الخليجي كلما مارس الندية في الحوار وأكدها، حقق ما يريد دون أن يضطر لتقديم أثمان باهظة ثمناً للبضائع التي يريدها أو المواقف والدعم السياسي الذي يسعى لتحقيقه.
من يحاور الرئيس أوباما يفترض ألا يغيب عنه آلية اتخاذ القرار في أمريكا ومشاركة جهات عدة في ذلك كمجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع والبيت الأبيض والكونجرس، مع ما تقوم به هذه الجهات من تبادل للأدوار وتضليل ومكر وخداع أساسه المبدأ البراجماتي الشرس.
شخصية الرئيس أوباما لا يمكن أن يغفلها الجانب الخليجي في أثناء الحوار، فالرئيس أوباما لم يعهد عليه الوفاء والالتزام بما يتعهد به، ففي خطاب تنصيبه في الدورة الأولى تعهد بإغلاق سجن جوانتانامو الذي يقبع فيه المئات من المسلمين، وحتى حينه لا يزال على وضعه، وفي خطابه في جامعة القاهرة بشر بزمن التسامح ونبذ العنصرية أياً كان أساسها لكن آلة القتل الأمريكية لا تزال تحصد أرواح المسلمين في أفغانستان والعراق وسورية، وأخيراً موقفه من سورية حين توعد بإسقاط نظام بشار الأسد، وفي النهاية كانت الصفقة التي خذلت الشعب السوري حين تراجع عن ضرب قوة النظام، بل منع الدول الأخرى من تزويد المعارضة بالسلاح الرادع.
الأمر الثالث والمهم هو موضوع الحوار، ولعل البرنامج النووي الإيراني يقع على رأس الأولويات بالنسبة لزعماء الخليج، ويتوقع أن يبت فيه في شهر يوليو المقبل، مع ما يترتب على ذلك من قوة مضافة لإيران تضاف لقوتها الحالية التي مكنتها من التمدد في جسد العالم العربي حين وجدت فراغاً تملأه بدلاً من الدول العربية المؤهلة لملء الفراغ وغيره من الفراغات، لما تملكه من عناصر قوة لم تحسن استثمارها خلال العقود الماضية.
التفاهمات خلال السنوات الماضية بين إيران وأمريكا ليست مقتصرة على الملف النووي، ولكنها بحسب المؤشرات تشير إلى علاقة وطيدة بين واشنطن وطهران وما يعنيه ذلك من تغيير أيديولوجي في المنطقة، ولذا فإن الأمريكيين يسوقون بضاعتهم على جميع الأطراف بهدف استمرار تشغيل شركاتهم المتخصصة في صناعة الأسلحة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي