لهيئة الطيران المدني .. هل يكفي توثيق الفيديو؟

انتشر في الآونة الأخيرة مقطع فيديو يظهر لنا كيفية تعامل موظفي الخدمات الأرضية مع حقائب المسافرين، ولا داعي لوصف الطريقة التي أظهرت لنا همجية التعامل من قبل العمالة وكأن هناك عداوة بينهم وبين أصحاب الحقائب. وبعد الحادثة مباشرة صرح مشكورا المهندس صالح الجاسر، مدير عام الخطوط السعودية، بأن ما حصل يعد تصرفا غير مقبول، وأن على المتضررين التوجه إلى الخطوط السعودية من أجل المطالبة بالتعويض، وفي الحقيقة أن الخطوط السعودية غير مسؤولة عن هذا التصرف، ومسؤولية التعويض مرتبطة بالاتفاقيات الدولية للطيران ومغطاة من خلال شركات التأمين. وإثر تلك الفضيحة أصدر رئيس الهيئة العامة للطيران المدني قرارا صارما بإنهاء خدمات خمسة موظفين في الشركة السعودية للخدمات الأرضية. وقد سبق أن كتبت في مقالة سابقة بتاريخ 15/12/1435هـ عن موضوع "هل تقوم الجهات الحكومية بدورها التوعوي؟" وأعطيت مثالا سلبيا كان مع الأسف من نصيب الهيئة العامة للطيران المدني. وذلك بشأن ضعف دورها التوعوي في تثقيف العامة بحقوقهم القانونية كمسافرين، والتقصير في مسألة تسهيل إجراءات المطالبة بالحقوق وفتح قنوات ميسرة من أجل تحصيل هذه الحقوق، ولعل مقالتنا هذه توضح جوانب القصور الأخرى من قبل الهيئة، المسؤولة عن كل تقصير يقع في مطاراتنا.
وبعد هذا المقطع بيومين انتشر مقطع فيديو آخر يصور لنا حرصا "مصطنعا" من موظفي الخدمات الأرضية وهم ينقلون الحقائب بعناية فائقة، حيث إن العمالة تنظر إلى المصور ولسان حالها يقول، هل هذا ما يناسب تصويره للعامة من أجل الاقتناع بالتغيير الإيجابي؟ والحقيقة المرة والمؤسفة أنهم لو استمروا على هذا الحال وبهذه الطريقة في المناولة فسوف يزدحم المطار بسبب تأخر إيصال الحقائب. والتصوير الآخر يظهر لنا أفضل تقنية توصلوا إليها، وهي زحلقة الحقائب من خلال هذا الجهاز البدائي! مع الأسف ظهور مثل هذا التصوير بهذه الطريقة، وكذلك قرارات الفصل بهذا الشكل توضح لنا أن المسؤولين في الهيئة لم يفهموا حجم المشكلة، ولا كيفية إيجاد الحلول المناسبة. فمن الأساس أن كشف المشكلة بتسجيل الفيديو وحلها بهذه الطريقة نفسها لا يعتبران أسلوبا عمليا. وإلا لانشغل الناس بتصوير جميع القطاعات الحكومية الخدمية المقصرة، وسيمتلئ موقع "اليوتيوب" بالفضائح، لكنها حقيقة أثبتت فاعليتها في الفترة الماضية.
الكل تقريبا مع الأسف سيجمع على ضعف الخدمات المقدمة في مطارات المملكة الدولية، وهذا ما شاهدته أنا بعيني في مطار الملك خالد الدولي، فقد عشت تجربة الخوف من فوات الرحلة بسبب عطل سير "جنزير" نقل الحقائب، حيث اكتظ المكان بالناس نظرا لضيق المساحة. وقد رأينا تصوير فيديو يظهر لنا حريقا في سير الحقائب، وقد جربت الانتظار لمدة ساعتين أنتظر حقائبي بعد رحلة استمرت سبع ساعات لأن سير رفع الحقائب معطل، وقال لي موظف إنه على هذا الحال منذ شهرين ولم تصل قطع الغيار حتى الآن. هذه تجارب رأيتها بعيني مباشرة، وأعلم أن هناك ما هو أعظم وأشد سوءا. فالمشكلة في هذه الحالة هي إما أن العمر الافتراضي للأجهزة قد انتهى وإما أن الصيانة الدورية فيها تقصير، وفي كلتا الحالتين فإن المسؤولية التقصيرية تقع على الهيئة فمن مسؤولياتها "إدارة وتشغيل وصيانة وتطوير المطارات المدنية".
نحن لا نريد تصوير فيديو يظهر لنا عناية فائقة في وضع الحقائب بالعمالة نفسها وبالأسلوب نفسه، فهذه لا تعتبر معالجة حقيقية بل هي أقرب إلى ذر الرماد في الأعين. فمن الأساس أن الأسلوب المستخدم في نقل الحقائب يعتبر متأخرا وعفى عليه الزمن ولا يليق بدولة مثل السعودية، ولنا في دول مجاورة أمثلة مشرفة في التطور والقدرة على الإدارة رغم ضخامة أعداد المسافرين، فالحقائب يتم نقلها بشكل آلي ويتم فرزها إلكترونيا دون تدخل للبشر وبسرعة فائقة ونسبة الخطأ ضئيلة. ولا مانع لدينا من انتظار هذا التطوير إذا كانت هناك خطط واضحة تعمل عليها الهيئة، لكن الملاحظ أن الخدمات تزداد سوءا كل سنة.
وبالمناسبة فقد قرأت في خبر فصل الموظفين المعلن في موقع الهيئة ما نصه ".. الجدير بالذكر أن الهيئة أعلنت أخيرا إنهاء الاحتكار بإدخال مشغل جديد للخدمات الأرضية وهي الشركة السويسرية SwissPort الرائدة في تقديم خدمات مناولة العفش"، وبالرجوع إلى موقع الشركة الأجنبية وجدت أنها قد وقعت عقدا مع الهيئة لمدة خمس سنوات وبدأ نشاطها فعلا في 1/5/2014. أي أن الشركة -التي ذكر الخبر المغلوط أنه تم التوقيع معها الذي يفهم منه أنه حل للمشكلة التي حصلت ـــ قد بدأت فعلا في أعمالها منذ سنة، ويفترض أن ما نراه الآن هو نتاج أعمال هذه الشركة. أليس الخبر السابق الصادر من الهيئة فيه من التضليل والتلبيس؟ فهذا ما يجعلني لا أتفاءل كثيرا بوجود تطورات وتحسن في الخدمات خاصة في وقتنا الحاضر، فالتطوير ومعالجة القصور لا يكونان كما أظهره الفيديو الثاني، بعناية مصطنعة لنقل الحقائب، فالمواطنون يريدون واقعا حقيقيا من الخدمات الراقية كما هو موجود في باقي الدول المتطورة، فلسنا أقل شأنا منهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي