السعودية وتركيا .. والتحالف

الظروف توجد المصالح، والمصالح توجد التحالفات، وفي التحالف قوة لمواجهة التحديات. وما يحدث في المنطقة هو حصيلة تحالف بصورة أو بأخرى، ويتطلب لمواجهته والتصدي له تحالفا مساويا له في المقدار ومضادا له في الاتجاه، هكذا يقول قانون ومنطق السياسة وما تقتضيه الحكمة. والسياسي الحكيم ذو التجربة العميقة يستطيع رؤية المستقبل والتوجه العام للأحداث والتأثير فيها وتحويلها لمصلحة وطنه. ولا شك أن الزعيمين السعودي والتركي على مستوى عال من الفطنة السياسية، ما يجعلهما يدركان أن لا غنى لأحدهما عن الآخر. وهذا يعني أن عليهما البحث عن المشترك وتنحية الاختلافات جانبا، والسير معا في مواجهة التحديات التي تهدد بلديهما واستكشاف الفرص التي تجعلهما أكثر قوة ومنعة.
لا شك أن التشابه بين تركيا والسعودية كبير، ومن المؤمل أن تكون العلاقة بينهما قوية ومتينة وتفضي إلى نتائج كبيرة. فكلا البلدين قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية، والأهم أن كلتيهما تتمتع بالاستقرار والأمن وبنهج سياسي محافظ ومتزن وسط منطقة تضج بالأحداث والحروب والمآسي. إن مما يوحد الدول هو العدو المشترك، وتركيا والسعودية تريان أن محور إيران وسورية والعراق وحزب الله علاوة على الشكوك حول علاقة الولايات المتحدة بهذا المحور، يمثل مصدر إثارة الفتن والصراعات الطائفية. ولا شك أن ما يحدث في دول الجوار له تداعيات سلبية على السعودية وتركيا. ويجد البلدان نفسيهما مضطرين للتحالف لمواجهة الغطرسة الإيرانية التوسعية. وإذا ما تم وضع استراتيجية تعاونية بين تركيا والسعودية، فهذا يعني بداية تحول للأحداث في المنطقة وعلى الأطراف الأخرى أن تعي تماما أن الفراغ الذي كانت تحاول ملأه سيضيق بها وقد يعني نهاية مغامرتها السياسية الطائشة.
وهناك أمر آخر يعزز التقارب التركي -السعودي وربما كان هو ما حفز القائدين السعودي والتركي على التلاقي في وجهات النظر والتفكير والقراءة الصحيحة للأحدث وما ينبغي عمله، وهو أن الرجلين يتشابهان في الخبرات والتدرج السياسي، فكلاهما بدأ حياته السياسية كحاكم محلي، وسجلا نجاحات متميزة على صعيد التنمية المحلية. فالملك سلمان ومن خلال تأسيسه لهيئة تطوير مدينة الرياض استطاع أن يحول الرياض العاصمة وبزمن قياسي من مدينة صغيرة تفتقر للحد الأدنى من المقومات الحضرية إلى مدينة تضاهي كبريات المدن في العالم. وذلك نتيجة نمطه القيادي التحويلي الذي اتسم بالحزم والتنظيم والاقتراب للمواطن. ونرى في المقابل صورة مشابهة إن لم تكن طبق الأصل عند أردوغان الذي بدأ حياته السياسية كعمدة لمدينة إسطنبول ونجح في تحويلها إلى مدينة ذات جاذبية وإنتاجية اقتصادية. كما تبنى برامج تنموية جعلته قريبا من المواطن العادي. هكذا نجد أن الزعيمين متقاربان في التجربة السياسية والسمات القيادية، وهو ما يجعل لغة الحوار والتوقعات واضحة ويكونان أقرب للتفاهم ورؤية الأمور بنظرة مشتركة. فكلاهما يتصف نهجه السياسي بالجمع بين الأصالة والمعاصرة وهو نهج ينم عن الثبات والالتزام والمثالية.
إن على تركيا والسعودية رسم رؤية مشتركة للمنطقة تحدد الأولويات وآليات العمل وإيجاد ظروف مواتية للنجاح، وبما يؤدي إلى إيقاف السلوك الإيراني المثير للنعرات الطائفية لدى المواطنين الشيعة في بلدان المنطقة وتأليبهم على دولهم. حتى تعي الدولة الفارسية أن التدخل في شؤون الغير قد يعرضها للمشكلة نفسها، خصوصا أنها البلد المؤلف من فسيفساء عرقية ومذهبية وهي أكثر قابلية للتفكك، ولاسيما أن المواطن الإيراني يعاني وطأة الأزمة الاقتصادية. لقد تمادت إيران وحان الوقت لإيقافها عند حدها. إن الجرأة التي تم بها الانقلاب في اليمن على الشرعية واحتلال صنعاء من قبل الحوثيين واستمرار النظام السوري في قمع مواطنيه لم يكونا ليتما لولا الدعم الإيراني. حتى بلغ التبجح الإيراني حد الإعلان صراحة أن العراق وسورية ولبنان واليمن هي تحت النفوذ الإيراني!
أجزم أن التقارب السعودي -التركي سيوقظ حكام إيران من أحلامهم التوسعية وستجد إيران نفسها مفلسة اقتصاديا وسياسيا. وأما إذا تشكلت قوة اقتصادية عسكرية وسياسية للمحور السعودي - التركي، فإن ذلك سيكون سيفا حادا يقطع رأس الأفعى الإيرانية فيتأثر أتباعها في كل مكان. وخلاصة القول إن التحالف السعودي - التركي سيؤدي إلى إحلال التوازن بالمنطقة وضبط إيقاع الأحداث فيها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي