Author

هل يمكن تقييم الجهات الحكومية وتصنيفها؟

|
كيف يمكن لنا أن نميز بين الجهات الحكومية من حيث أدائها؟ هل يتم هذا عن طريق التقارير السنوية التي تصدرها تلك الجهات؟ أم هل يمكن أن نعتمد على أحاديث الناس في مجالسهم عن أن هذه الجهة الحكومية تلتزم بمبادئ النزاهة والشفافية، وتلك الجهة تعاني فسادا مستشريا؟ هل نعتد بحملات العلاقات العامة و"البروباجندا" التي تشنها هذه الوزارة أو تلك الهيئة لتلميع صورتها أمام الملأ بغض النظر عن المنجزات الحقيقية؟ على أرض الواقع، لا توجد لدينا حتى الآن آلية منهجية لتقييم وتصنيف الجهات الحكومية، بحيث يمكن مكافأة الجهات المميزة، ومحاسبة الجهات المقصرة، ليس لدينا سوى الوسيلة الوحيدة التي تستخدم تقليديا لقياس أداء الجهات الحكومية، ألا وهي "التقرير السنوي" للجهة الذي يتم استعراضه تحت "قبة الشورى"، وطبعا لا يعتبر وسيلة وافية للتقييم. أنا شخصيا ـــ وغيري كثيرون ـــ لا نعتد بالتقارير السنوية للجهات الحكومية "المذهبة والمطبوعة على ورق فاخر" إلا فيما يتعلق بالتوثيق، ومن ذلك سرد الإحصائيات، أما فيما يتعلق بتقييم الأداء، فكلنا نعلم أنه ليس من المعقول أن تقيم الجهة نفسها، وتتفاخر أمامنا بانتصارات مزيفة! منذ زمن، وأنا أحلم بوضع تصنيف رسمي للجهات الحكومية، يماثل في فكرته تصنيف "النجوم" للفنادق، لكنه يختلف عنه بأنه يقوم على "النخلات"، النخلة السعودية التي تشكل جزءا من شعار الدولة، حيث تمنح الجهات الحكومية المتميزة "وزارات، ومؤسسات، وهيئات عامة" خمس نخلات، إلى أن تمنح أضعف جهة "نخلة واحدة"، ويمكننا إيضاح فكرة "تصنيف النخلة" وفق الخطوات التالية: الخطوة الأولى يقوم مجلس الوزراء باعتماد برنامج تقييم وتصنيف الجهات الحكومية "برنامج النخلة السعودية"، تشرف عليه جهة محددة في المجلس، حيث يتم التقييم من قبل عدة أطراف لها علاقة بالجهات الحكومية "أشبه بالتقييم الشامل 360 درجة للموظف"، ومن ثم يتم تصنيف هذه الجهات بناء على النتائج، ويكون التقييم بشكل دوري لكل جهة حكومية، ويجرى على مراحل: ــــ المرحلة الأولى: يتم التقييم مرة في العام لمدة ثلاثة أعوام، حيث تكتمل البنية التحتية للبرنامج، وترتبط جميع الجهات الحكومية الخاضعة للتقييم، ويزداد وعي الأطراف المعنية تجاه أهمية تقييم وتصنيف الجهات الحكومية. - المرحلة الثانية: يتم التقييم مرة كل ستة أشهر. - المرحلة الثالثة: يتم التقييم مرة كل أربعة أشهر، ويظل على هذه الوتيرة. الخطوة الثانية يعتمد تقييم كل جهة حكومية على مجموعة من المعايير الموضوعية تتصل بـ: النزاهة، والشفافية، وجودة الخدمات والمنتجات، والسلامة، ومستوى خدمة العملاء، وسرعة التجاوب مع الأزمات، واستغلال الموارد، وغير ذلك. ويتم التقييم بإشراك الأطراف المعنية، حيث يعطى لكل طرف وزن معين على النحو التالي: ـــ مجلس الشورى: 20 في المائة. ـــ هيئة مكافحة الفساد: 20 في المائة. ـــ هيئة حقوق الإنسان: 20 في المائة. - العملاء (المواطنون): 20 في المائة. - الموظفون "موظفو الجهة الخاضعة للتقييم": 20 في المائة. الخطوة الثالثة بعد أن يتم رصد النتائج وفرزها، يتم تصنيف الجهات الحكومية وفقا للدرجات التي حصلت عليها كالتالي: - خمس نخلات تعطى للجهة الحكومية التي حصلت على درجة من 90 إلى 100 في المائة. - أربع نخلات للجهة الحاصلة على درجة من 80 إلى 89 في المائة. - ثلاث نخلات للجهة الحاصلة على درجة من 70 إلى 79 في المائة. - نخلتان للجهة الحاصلة على درجة من 60 إلى 69 في المائة. - نخلة واحدة للجهة الحاصلة على درجة من 50 إلى 59 في المائة. ولعلنا نزيد أنه بجانب أهمية تقييم وتصنيف الجهات الحكومية، وإشراك أكثر من طرف في هذه العملية، فإننا سننجح في تحويل "الطاقة السلبية" لبعض شرائح المجتمع التي تتمثل في مواصلة انتقاد الجهات الحكومية لغرض الانتقاد ـــ تتساوى عندها الجهات ذات الأداء العالي والأداء المتدني ذاته ــــ فتتحول هذه "الطاقة السلبية" إلى "طاقة إيجابية" يمكن توظيفها وفق منهجية علمية ومعايير مدروسة لتقييم القطاع العام على مختلف أجهزته، وبالتالي تسعى الجهات ذات المستوى الجيد إلى بلوغ مستوى الامتياز، فيما تحافظ المتفوقة على تفوقها. علاوة على ذلك، ربما ننجح ـــ تحت ضغط تصنيف النخلة ــــ في تغيير بؤرة تركيز الجهات الحكومية من انشغالها بالتسويق عن نفسها بطريقة سمجة، تعكس منجزات بطريقة وصفية لا يشعر بقيمتها المواطن إلى انشغالها بتوفير خدمات ذات مستوى عال نستفيد منها بصورة حقيقية.
إنشرها