دوائر الأوقاف

استبشر المهتمون بشأن الأوقاف بموافقة المجلس الأعلى للقضاء على تخصيص دوائر مستقلة تباشر قضايا الأوقاف والوصايا وإنهاءاتها في سبع مدن وهي مكة المكرمة، المدينة المنورة، الرياض، جدة، الدمام، الأحساء والطائف؛ لتسهيل إجراءات إثبات الأوقاف والوصايا وما يتعلق بها من إنهاءات ثبوتية تستلزم الدقة، وهذه الخطوة الرائدة تستلزم العناية الفائقة بترشيح القضاة المكلفين بالعمل في هذه الدوائر والنظر في أن يكونوا ممن لهم دراية وخبرة في العمل الخيري بشكل عام وعمل المؤسسات الوقفية على وجه الخصوص، وكذلك الموظفون في هذه الدوائر من المناسب أن يكونوا من المتميزين ويتمتعون بمهارات عالية في فن التعامل وحسن الاستقبال لكون المستفيد من خدمات دوائر الأوقاف يقدم خدمة جليلة لدينه ووطنه فيما يبذله من ماله الذي سيوقفه ليصرف في مصارف تعود في أغلبيتها بالنفع والفائدة المتعدية على المجتمع وتستفيد منه مؤسساته الشرعية والعلمية والصحية والاجتماعية والثقافية والخيرية بوجه عام، وبالتالي فأقل الحقوق لهؤلاء الواقفين أن يحظوا بعناية خاصة وحسن استقبال وتذليل لجميع العقبات والإجراءات التي يحتاجون إليها لتوثيق أوقافهم. أذكر أنه حصل أمامي في المحكمة العامة في الرياض قبل قرابة أربع سنوات أن حضر رجل مسن يرغب في وقف ثلاثة عقارات فأحاله القاضي على الكاتب الذي كنت منتظرا عنده في مكتبه فسأله الموظف: ستوقف هذه العمارات الثلاث على ماذا؟ فقال الواقف على "حجة وأضحية تذبح عني وعن والدي سنويا" فشرع الكاتب في ضبطها فاستأذنته أن يتريث قليلا وتحدثت مع الواقف المسن وأبنت له الآلية الأمثل لضبط وقفه لضمان استمراره والمصارف التي أجرها وثوابها أعظم للواقف ففي أقل من عشر دقائق اقتنع ـــ بحمد الله ـــ وعدل الكاتب صك وقفيته لتكون على أوجه البر التي تكون أعظم ثوابا للواقف مع ضبط نظارتها بما يضمن المحافظة على أصل الوقف. المقصود من إيراد هذه الواقعة أن القضاة ـــ أعانهم الله ــــ مع كثرة الأعباء والمسؤوليات الملقاة عليهم ربما لا يكون لديهم فسحة من الوقت لدلالة الواقفين وإرشادهم وبيان المصارف الشرعية التي هي أكثر وأعظم أجرا للواقف، وبالتالي نتيجة لذلك ربما أسند بعض القضاة هذا الأمر لكاتب إداري ليس لديه التأهيل والدراية والإلمام الكافي بأحكام الوقف ومصارفه، ولتلافي مثل هذا الإشكال بإمكان الدوائر الوقفية والمحاكم عقد شراكات مع الغرف التجارية التي تبنت أخيرا استحداث لجنة للأوقاف في مجموعة من الغرف التجارية في عدد من المناطق والمحافظات وكذلك المؤسسات الوقفية المانحة وذلك لتقديم الاستشارات للواقفين قبل وصولهم للقاضي لإثبات صك الوقفية وتخصيص مكاتب لهم داخل المحاكم فإن مثل هذا الإجراء سيوفر الوقت والجهد على القضاة وعلى الواقفين ويحفظ الثروة الوقفية ويضمن أن يوجه الواقف إلى ما ينفع وقفه ويضمن ديموميته ويجلي المفاهيم المغلوطة المنطبعة في أذهان بعض الواقفين الذين ارتسمت في أذهانهم مصارف محددة للوقف، كما نتطلع إلى أن يمارس القضاة بحكم ولايتهم الشرعية متابعة أعمال النظار بما يضمن تحقيق شروط الواقفين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي