قرارات الملك سلمان ... رفاهة اجتماعية وتطوير للعمل الحكومي

حزمة الأوامر الملكية التي أمر بها الملك سلمان بن عبدالعزيز هي تعبير عن توجه جديد في إدارة الدولة يجمع بين تحقيق كفاءة العمل المؤسسي وتلبية متطلبات الرفاهة الاجتماعية. فمعضلة العمل الحكومي هي في التوفيق بين الكفاءة في توفير الخدمات العامة والاستجابة للمطالب المجتمعية. وفي السياق ذاته هناك تحد آخر وهو المفاضلة بين تحقيق متطلبات الحاضر واستحقاقات المستقبل. ويتضح من حجم ونوعية الأوامر الملكية وشموليتها أن هذه التوازنات حاضرة في ذهن الملك سلمان، فجاءت مستوفية للجوانب الاقتصادية والسياسية والتنظيمية والاجتماعية. يجب أن تفهم هذه الأوامر الملكية على أنها رسائل واضحة يبعث بها الملك لشعبه بأنه قريب منهم يستشعر احتياجاتهم الحالية وطموحاتهم المستقبلية بشكل مباشر، وأنه في الوقت ذاته يؤمن بأنه لا يمكن العبور للمستقبل إلا من خلال تطوير العمل المؤسسي للإدارة الحكومية. فالإدارة الحكومية هي مرتكز التنمية وكيفما تكون، تكون التنمية. والملك سلمان كسياسي متمرس وحاكم محنك تزدحم سيرته العملية بالتجارب الثرية والمهمات الصعبة، يدرك تماما أن النهوض بالتنمية الوطنية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والأمني لا يكون إلا من خلال تنظيمات حكومية ذات كفاءة وفاعلية وقدرة على الاستجابة للمتغيرات والتحولات في البيئة. فلقد ظلت الإدارة الحكومية تعاني التشرذم الإداري والتفتت التنظيمي. واختزال المجالس العليا في مجلسين هو خطوة أولى على طريق الإصلاح الإداري الحقيقي والفاعل. إن التركيز الإداري يجعل من السهل متابعة سير العمل ويمنح العمل التنموي التوجه الصحيح. وفلسفة التغيير لدى الملك سلمان تنطلق من أنه ليس المهم الجد والاجتهاد في ارتقاء سلم التنمية وحسب، وإنما وضعه على الحائط الصحيح.
إن الأوامر الملكية تأتي في وقت يتطلب إيجاد حلول لكثير من المشكلات الاقتصادية والتحديات الاجتماعية مثل مشكلة السكن والفقر وتوفير الوظائف. وحلولها لا تعتمد فقط على زيادة الإنفاق الحكومي ولكن آلية إنفاقه بطريقة تضمن تحقيق الأهداف الاجتماعية وليس البيروقراطية. وقد تنبه إلى ذلك الملك سلمان حين أمر بتخصيص 20 مليارا لخدمات الكهرباء والماء، إذ إن ذلك سيسهم بإذن الله في معالجة مشكلة الإسكان جذريا. فإن توفير الكهرباء والماء للمخططات الجديدة سيزيد المعروض من الأراضي الصالحة للسكن. ولا شك أن ذلك سيؤدي إلى زيادة المعروض من الأراضي في السوق العقارية، وبالتالي انخفاض أسعارها. ولأن سعر الأرض يمثل في الوقت الراهن ما يقارب 40 في المائة من إجمالي تكلفة السكن، فمن المؤمل أنه سيؤدي إلى انخفاض أسعار المساكن في سوق الاستثمار العقاري، وتبعا إلى انخفاض معدل الإيجارات في سوق الخدمات السكنية. وانخفاض تكاليف السكن في المدى البعيد سيؤدي إلى انخفاض التضخم، ما يعني زيادة في الدخل الحقيقي. وهكذا نجد أن سياسة الإنفاق التي انتهجها الملك سلمان في إدارة دفة الاقتصاد الوطني تصيب أكثر من هدف، وهذا ما نحتاج إليه في ترشيد الإنفاق الحكومي بقراءة صحيحة للوضع الراهن وتحليل شمولي وعميق ونظرة واقعية وعملية تعظم العائد من كل ريال ينفق على المشاريع العامة.
ولم تكتف توجهات الملك سلمان بتحقيق الرشد والكفاءة في الإنفاق، ولكن أيضا أخذت في الحسبان العدالة الاجتماعية من خلال رفع مستحقات المشتركين في الضمان الاجتماعي. وهذا أمر جدير بالإشادة لأن أي مجتمع لا يخلو من المعوزين، وبالتالي يلزم الالتفات لهم، ليس فقط من أجل تلبية احتياجاتهم المعيشية، ولكن لأن الفقر له تداعيات خطيرة تؤدي بالبعض إلى سلوكيات غير سوية مثل الاتجار بالمخدرات والانخراط في أعمال إرهابية أو إجرامية. إن الحالة الأمنية استحقاق وطني يتطلب الحفاظ عليه ورعايته وصيانته ليس بالمواجهة بالقوى الأمنية فقط، ولكن اجتثاثه من جذوره والتعامل مع مسبباته الاقتصادية والاجتماعية. ولذا يجب أن تفهم الزيادة في معونات الضمان الاجتماعي التي أمر بها الملك سلمان في إطار أوسع وأشمل يتعلق بالعدالة الاجتماعية وتعزيز دور الحكومة في رفع المعاناة عن الأقل حظا في المجتمع، وتحقيق الأمن والسلم الاجتماعي، واحتواء كثير من المشكلات الاجتماعية. وعلى الصعيد ذاته شملت الأوامر الملكية قضاء مديونية السجناء والإفراج عنهم حتى يعودوا إلى أسرهم ومجتمعاتهم ومنحهم فرصة أخرى ليكونوا أكثر إنتاجا والتزاما في تعاملاتهم المالية. وهذا يأتي في السياق العام الذي ينتهجه الملك سلمان في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بنظرة واسعة، والسعي نحو إحداث تغيير على جميع المستويات في الأفراد والمجتمع والبيئة العامة، لينخرط الجميع في منظومة التنمية يسهمون بفاعلية في الاقتصاد الوطني من خلال ثقافة تعزز الإنتاجية والتعاون والتكاتف وتربط بين الإنتاج والدخل.
ولا بد من القول ونحن نستعرض الأوامر الملكية إنها جاءت حاسمة وجريئة وفي التوقيت المناسب، وهي تعكس وضوح الرؤية وقوة الدافع نحو التطوير والإصلاح والتحول المؤسسي الذي يضمن اللحمة الوطنية ويعزز الجبهة الداخلية مصدر قوتنا في مواجهة التحديات التي تحدق بنا من كل حدب وصوب. هذه القرارات تنم عن شخصية الملك سلمان السياسية والاقتصادية والإدارية والمثقف الذي يتصف بالدقة والانتظام، ما سيكون له الأثر الإيجابي في تطوير العمل الحكومي. ونجاحات الملك سلمان في الحكم والإدارة متعددة ومتنوعة فهذه الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض من بنات أفكاره وإبداعاته الإدارية التي شكلت نموذجا مميزا للإدارة المحلية، وأسلوبا إبداعيا في البناء المؤسسي، ونهجا يدرس في التنمية والتخطيط العمراني.
هذه كانت قراءة تحليلية سريعة للأوامر الملكية لاستشفاف تفكير قائد المرحلة الملك سلمان ورؤيته التنموية ونهجه في إدارة البلاد، حتى يعلم الجميع أسلوبه القيادي العملي الذي يجمع بين البعدين الاقتصادي والإنساني. ولذا يتطلب الأمر أن نصطف من ورائه مخلصين في نياتنا، مجتهدين في أعمالنا كل في موقعه، لنحقق أهداف التنمية التي يرسمها ويتطلع إليها ويقودنا إليها. حفظ الله الملك سلمان وسدد خطاه وجعله ذخرا للوطن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي