رحيل زعيم الإصلاح
وفاة خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبد العزيز حدث استثنائي يتجاوز حدود الوطن إلى أبعد من حدوده الجغرافية ليصل إلى كل مكان فيه حضور للقرار السعودي بكل أبعاده الدينية والسياسية والاقتصادية والثقافية، فهو حدث يأتي في ظل تغيرات سياسية وانهيارات وإعادة بناء لم تكن لتجري وفق الأمور الطبيعية بل كانت عاصفة مرت على دول الجوار أدت إلى صعود قوى متطرفة وجمود في المواقف الدولية تجاه ما جرى ويجري ولم تكن المملكة بثقلها ومكانتها لتقف مكتوفة الأيدي، بل سابقت الزمن لتمنع حدوث المزيد من الكوارث وتحركت في وقت عصيب لفرض سيادة الدول بدلا من سيادة العصابات الإجرامية التي وجدت نفسها في سدة الحكم دون سابق تجربة أو حتى اكتساب مصداقية وثقة شعوب تلك الدول.
لقد كانت سياسة الملك عبد الله ـــ رحمه الله ـــ في التعامل مع الأحداث تهدف لفرض عقلانية القيادة في دول الجوار والحفاظ على أمن وسلم البلاد ومنع تمدد تلك التأثيرات إلى أرض الوطن وبقاء تماسك الوحدة الخليجية في مواجهة ثقافة العنف والإرهاب مع مواصلة مسيرة البناء والإصلاح وعدم الركون إلى ما يمكن أن يساهم به المجتمع الدولي في استقرار المنطقة، ولذا يمكن لنا أن نقول إن سياسة الملك عبدالله ـــ رحمه الله ـــ تميزت بالشجاعة الكاملة في صياغة القرار وتنفيذه في الوقت الذي ترددت فيه دول كان ينتظر منها المشاركة والمبادرة في عدم الاستسلام لمجريات الأحداث مهما كلف برنامج مواجهة تلك التحديات وما تحمله من أخطار جسام.
إن الملك عبدالله ـــ رحمه الله ـــ كان رجل المرحلة بكل ما تعني الكلمة من معنى فقد وضع أسس الحوار الديني والثقافي لحماية الفكر الإسلامي المعتدل وعدم ترك التأثير لمن اختاروا طرق الصدام فقد أمن ـــ رحمه الله ـــ بحوار الحضارات وليس بصدامها وأمن بتعاونها وتكاملها وليس بخلق فرص للتحدي والمواجهة، لأنه يعلم كم ستكون تلك فرصة للمغرضين والمسيئين والراغبين في الصراع والصدام وتوجيه طاقات الأمة للعنف والعنف المضاد وترويج الفكر السلبي عن الإسلام عقيدة وعبادة وسلوكا لأن الإسلام جاء رحمة للعالمين وثقافة تسامح ومحبة وسلاما.
ولخادم الحرمين الشريفين منجزات لا يمكن حصرها فهي سجل حافل من العمل الجاد في جميع الميادين الوطنية، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر ذلك المشروع الضخم المتمثل في إعادة هيكلة القضاء وتخصيص مبالغ مالية ضخمة قاربت الـ70 مليار ريال لتطوير القضاء وبرنامج ضخم لتطوير التعليم قاربت ميزانيته الـ80 مليارا وتبني برنامج حديث ليواكب التعليم أحدث الخطط والأهداف، ولذا فقد كان الإنجاز مميزا، فهناك 28 جامعة و200 ألف مبتعث وست مدن طبية و11 مستشفى تخصصي و32 مستشفى عام، ومشاريع ضخمة للنقل في شبكة قطارات ضخمة بين المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة ومشروع نقل لمدينة الرياض عاصمة البلاد وللشباب 11 مدينة رياضية ضخمة وتجديد في التشكيلات الوزارية وإعطاء فرص الحقائب الوزارية لمن يتوسم فيهم النجاح في إدارة مرافق الدولة وخصوصا الخدمية منها.
وفي كل مرة تثبت قيادتنا الرشيدة أن المملكة أكبر من أعدائها وخصومها ومن يتربصون بها، ولذا نجد التفاف الأسرة الحاكمة ومواجهة حدث وفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز ـــ رحمه الله ـــ يتناسب مع حجم الحدث فقد بايعت الأسرة الحاكمة والمواطنون خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ملكا على البلاد، كما بايعت الأمير مقرن بن عبد العزيز وليا للعهد ومحمد بن نايف وليا لولي العهد ونائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، وهي ترتيبات ضرورية يباركها الشعب السعودي ويدعو للقيادة الجديدة بالتوفيق في واجبها الديني والوطني ويشد على يد القيادة باستمرار النهج الذي بدأه الملك عبد العزيز ـــ رحمه الله ــــ في بناء الدولة وحمايتها من الأخطار الداخلية والخارجية.