حبيب الشعب و«فقيده» .. عبد الله
"إذا أنتم بخير فأنا بخير" .. قالها بعفوية الأب وإخلاص المسؤول، فحفظها الشعب وردّدها عرفاناً وزهواً بقائده "القوي" الذي لم يخف يوما عن شعبه سر قوته، فهو القائل "يعلم الله أنكم في قلبي أحملكم دائماً وأستمد العزم والعون والقوة من الله ثم منكم". تلك الكلمات قالها الملك الراحل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يرحمه الله - عندما خاطب شعبه في الثامن عشر من شهر مارس 2011، إثر إصدار أوامر ملكية وُصفت بالتاريخية؛ إذ شملت جميع فئات المجتمع.
نظَّم الفقيد الراحل أول انتخابات بلدية جزئية، كما منح المرأة الحق في التصويت خلال العملية الانتخابية المقبلة في 2015. وأدخل إصلاحات عميقة وواضحة إلى قطاع التربية والتعليم، كما افتتح في 2009 جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست). وخصّص 36 مليار دولار من أجل إيجاد الوظائف وبناء الوحدات السكنية ومساعدة الباحثين عن عمل (حافز)؛ لتتمكن هذه البلاد بحكمة فقيد الشعب من الحفاظ على أمنها واستقرارها بعيداً عن الاضطرابات التي عصفت بالعالم العربي طوال السنوات الأربع الماضية؛ لتستمر إنجازات هذا الوطن رغم كل ما يعصف بما حوله عربيا وعالميا.
الملك الراحل لا يغفل هموم أمته وقضاياها بالقدر ذاته الذي يهتم فيه بقضايا وطنه. فالملك الراحل هو مَن أدرك منذ زمن أن هناك لغة متداولة عالميا تدّعي أن العرب والمسلمين لا يريدون السلام في خطاب عالمي لطالما روَّجت له الآلة الدعائية الصهيونية؛ ليتقدم بمبادرته العربية الشهيرة للسلام التي تبنتها الجامعة العربية فيما بعد مخاطباً العالم كله بكل وضوح "بالعكس الإسلام هو السلام، هو المحبة، هو الأخلاق"؛ ما وضع إسرائيل حينها في مأزق دبلوماسي دولي لم تكن لتتوقعه. وهو مَن حذّر الغرب بشدة من خطر المتطرفين إذا لم يتم اتخاذ تدابير حازمة ضدهم، معتبراً أن خطر هؤلاء قد يصل إلى أوروبا وأمريكا في غضون أشهر.. وهو ما حدث بالفعل.
الاقتصاد السعودي هو أيضا قصة نجاح أخرى تميّز بها عهد الراحل ولا يمكن قياس نجاحها الفعلي إلا بتأمل صعوباتها فعلى الرغم من انخفاض أسعار النفط في النصف الثاني من 2014، أمر الملك عبد الله بالإبقاء على مستويات إنفاق مرتفعة في ميزانية عام 2015، اعتمادا على مخزون استراتيجي سابق احتاط لمثل هذا الظرف سلفا.
حبيب الشعب رحل ولكن محبته باقية في قلوب الأوفياء الذين يدعون له اليوم وسيدعون له غدا وبعد غد.. كلما استذكروا ابتسامته الصافية وكلماته العفوية الصادقة، وكلما أثمرت واحدة من منجزاته التي تركها فينا وتركنا فيها. رحمك الله يا عبد الله بن عبد العزيز رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته وجزاك عنا خير الجزاء. وأعان الله أخاك الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين مقرن بن عبد العزيز، على إكمال مسيرة الإصلاح والحكمة وسدّد خطاهما.