Author

خطوات تحقيق البناء التنموي المتكامل

|
استمرارا للطرح المنبثق عن القراءة المتأنية لتجربة نصف قرن من النمو والتنمية في المملكة العربية السعودية وما سبقت الإشارة إليه في مقالتي السابقتين "العودة لحضن الطفولة" و"العمل ومتطلبات المستقبل" اللتين تم التأكيد فيهما وفي ما سبق من مقالات حول أهمية تعزيز البناء الداخلي المتماسك وتقوية الروابط المؤسسية والاجتماعية داخل المجتمع وبناء العلاقة الإيجابية بين السلطة السياسية التنموية وبين مختلف أطياف المجتمع، لأن هذا البناء الداخلي يتعزز مع التوجهات الحالية للبناء الخارجي سواء ما يتعلق بالسياسة الخارجية وما يرتبط بها من علاقات ومصالح أو ما يتعلق بتقوية حماية الحدود السعودية من مختلف الجهات. إن أهمية تعزيز وتقوية وتلمس الاحتياجات المختلفة للمواطن التي تضمن له الاستقرار النفسي الرغيد هي المفتاح الحقيقي للبناء السليم داخل الوطن، وهنا لابد من وضع عدد من الإجراءات والسياسات والبرامج والمشروعات التي تعمل على تحقيق ذلك دون إغفال أن هناك فئة من المجتمع سوف تبقي دائما ولاءها لغير قيادتها ووطنها مهما قدمت لها من حقوق ودعم وامتياز، وهذه الفئة يجب عدم التهاون معها لأنها سوف تبقى نقطة ضعف في اللحمة الوطنية. وفي المقابل فإن الالتفات إلى المتطلبات الأساسية للمواطن وفق رؤية تنموية شاملة ومستدامة موضحة للأهداف وبرامج العمل والتنفيذ تقبل القياس والتقييم والتقويم والتصحيح وتسخير كل الإمكانات المطلوبة لتحقيقه وعلى رأسها الأجهزة الرقابية التي تضمن حسن الرقابة والمتابعة الإيجابية لتحقيق استمرار البناء وتجديده ودعم متطلبات البناء السليم للمرحلة القادمة التي تحقق البناء والتكامل القوي للجبهة الداخلية. هذا البناء السليم يتطلب أولا وضوح الرؤية والسياسات والاستراتيجيات والأهداف والأدوات الوطنية السليمة والمباشرة لتنفيذها واستيعاب أهمية وضوح الرؤية والأهداف الوطنية وإلزام جميع الشركاء بذلك وعدم ترك الأمور لأهواء ومزاجات ومقترحات كل قادم جديد لموقع أو منصب جديد لأن عدو البناء هو الهدم ومن هنا يأتي ثانيا المتضمن أهمية التأهيل والتدريب على فهم دور ومسؤولية الموقع الجديد لكل قادم جديد وهو إنشاء معهد لبناء القيادات الإدارية في مختلف المواقع والمسؤوليات الوطنية والإقليمية والمحلية وسبق الكتابة بالتفصيل عن فكرة هذا المعهد المتقرح للقيام ببناء وتأهيل القيادات الإدارية ويكون الهدف منه هو عدم هدم ما يتم بناؤه في كل مرحلة والقضاء على ظاهرة "أنا ومن بعدي الطوفان" أو غيرها من الظواهر التي تؤدي إلى فقد الوطن للكثير من الجهود والاستثمارات المادية والبشرية نتيجة عدم القدرة على البناء، بل إصرار البعض على هدم كل ما بني قبلهم والتخلص من كل الإنجازات والكفاءات ومحاولة كتابة التاريخ من بدء عملهم فقط، ولهذا عندما تستوعب القيادات الإدارية أن مسؤوليتها النظامية والوطنية هي الاستفادة القصوى وتعظيم تلك الفائدة من البناء السابق ويكون دورها استمرار البناء وفقا لما هو معتمد ضمن الرؤية الوطنية واستراتيجياتها وخططها وبرامجها المعتمدة مع إعطاء القيادة الجديدة المساحة لوضع أولوياتها ضمن المعتمد من استراتيجيات وخطط وبرامج وطنية. إن الاهتمام ببناء الفكر الإداري المؤمن بأهمية الوطن وتقوية وتعظيم دوره وحقه، ومقابل ذلك تقزيم "الأنا" داخل كل قيادي سوف يغير بإذن الله سبحانه وتعالى كثيرا من شكل ورؤية واستثمار مخرجات التنمية وتحقيق حلم التنمية المستدامة في المملكة العربية السعودية. باستيعاب هذه المسؤولية يأتي بعد وضوح الرؤية ووضع الاستراتيجيات والأهداف على المستوى الوطني والإقليمي وبناء الكفاءات خصوصا المطالب منها بتنفيذ تلك الاستراتيجيات وأهدافها، فتح الحوار ودعم المشاركة المجتمعية بمختلف أطيافها وتوجهاتها لأن مشاركتها في ظل وجود رؤية استراتيجية وأهداف تنموية واضحة من الدولة ومحدد لها أدوات التنفيذ والفترات الزمنية تكون المشاركة المجتمعية والحوار حول تعظيم الفائدة من كل هللة وثانية يتم صرفها في مسيرة التنمية الوطنية، كما أن هذه المشاركة الفاعلة المجتمعية سوف تعزز من الشفافية والرقابة الإيجابية لتنفيذ مختلف المشروعات وتحقق البناء السليم المتوازن بين مختلف الشركاء في الدولة المتمثل في القطاعات الخمسة الرئيسة: القطاع الحكومي والخاص والاجتماعي والإعلامي ومؤسسات المجتمع المدني. إن استيعابنا هذه المتطلبات وأهمية البناء على البناء ووضوح الرؤية وتكامل الأدوار وتعزيز دور الرقابة والمساءلة الإيجابية والتأكيد على أن الجميع مسألة ومسؤول أمام الجهات الرقابية وتأكيد على أن لا أحد فوق القانون وأن البقاء للأفضل إنجازا وعطاء و تحقيقا لأهداف الوطن. ولعل المقالات القادمة بإذن الله تستكمل بقية النقاط التي إن شاء الله تفيد في تحقيق البناء السليم على البناء السابق وتعزز من قوة وتلاحم المجتمع وتحقق البناء الداخلي القادر، بعد توفيق الله، على حماية الوطن ومكتسباته من كل الظواهر والشرور الإجرامية الداخلية والخارجية. وفّق الله الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء وعربي اللسان وإسلامي المعتقد وعالمي الطموح.
إنشرها