«رأسا على عقب» .. الصراع بين قوانين الحب وعاطفة الجاذبية

«رأسا على عقب» .. الصراع بين قوانين
الحب وعاطفة الجاذبية

"الجاذبية، يقال إنك غير قادر على محاربتها، لكنني أخالف ذلك الرأي. فالحب أقوى من الجاذبية". عبارة متناقضة لا تستشف منها إلا هذيان عاشق، مقتبسة من فيلم "رأساً على عقب"، الغارق في الخيال والمنافي لقوانين الجاذبية والفيزياء، ترفع نظرك لتجد أمامك عالماً مماثلاً لعالمك ولكن منقلباً رأساً على عقب، فهناك مبان وجبال ومحيطات يراقبها المشاهد فيشعر بالدوار، ويتمنى لو تقلب الشاشة لرؤيتها بطريقة طبيعية.
يمعن المخرج الأرجنتيني خوان سولانس، في التركيز على قصة عاطفية يائسة بين قلبين ينتميان لعالمين متوازيين. ظهر الفيلم في عام 2012، حيث تتصاعد طفرة في إنتاج الأفلام، بالأخص تلك الناطقة باللغة الإنجليزية. من بين تلك الأفلام يتصاعد فيلم "رأساً على عقب"، وكأن المخرج يحاول أن يبزغ بفكرة مثيرة تشد الانتباه بعيداً عن التركيز على الحبكة الدرامية.
ففي فيلم الخيال العلمي الممتزج بالعاطفة، ينقسم العالم إلى اثنين، العلوي تسكنه الطبقة المخملية المرفهة، والسفلي تلك الطبقة الدنيا المضطهدة. لا يفرق بين العالمين الطبقية الاجتماعية والسياسية فحسب، وإنما قانون جاذبية غريب، يجبر سكان الأسفل التردي هناك، ومن حاول تجاوز عالمه يلاحقه رجال شرطة يتصيدون كل من يخالف الأنظمة.
تسكن "إيدن" بمعنى "الجنة" العالم العلوي كمرفهة حالمة، بينما يقبع "آدم" العالم السفلي لقيطاً مدقع الفقر، ويلتقيان في قمتي جبلين لتبدأ قصة عشق يائسة. وكأن آدم الذي هبط إلى الأرض يحاول الصعود إلى الجنة، التي تعبر عنها "إيدن"، الشابة الجميلة التي تعلقت بذاكرته فأضحت حلمه الدائم الذي يصبو إليه. وحين يخالف جميع الأنظمة ويصعد للأعلى لملاقاتها يكتشف أنها فاقدة للذاكرة نتيجة لحادثة أزلية، وكأن أصحاب الطبقة المخملية لا يكترثون بتلك الصراعات التي يعيشها فقراء الطبقة السفلى، فينسوهم.
في أحد المشاهد يهمس آدم بامتعاض واصفاً الطبقية المستفحلة: "فوق هم دائماً يظفرون، وفي الأسفل نخفق دائماً". يحارب آدم ليكتسب ودّ إيدن من جديد، وقد برع الممثل الشاب "جيم ستيرجس" في لفت انتباه المشاهد والتعلق بمحاولاته المفرطة، عبر أحداث مشبعة بالإثارة. بينما تظهر "كريستن دنست" في دور الفاتنة الحالمة، التي لا تملك معرفة بما يدور حولها حتى اقتراب نهاية الفيلم، وقد بتر ذلك من قدراتها فهي ممثلة متمكنة كان بالإمكان تأديتها دوراً أقوى من الترقب بصمت والابتسام دون تعبير. يبدو على المخرج وكأنه ركز أكثر على التصوير السينمائي، وابتعد عن محاولة إقناع المشاهد بقصة عاطفية تظهر وكأنها أقرب لمراهقين ساذجين، يحاولان معاندة الأقدار المحيطة بهما.
مما لا شك فيه أن الفيلم "رأساً على عقب"، تميز من خلال التصوير السينمائي الذي برع فيه الكندي بيير جيل، وجمالية المكان الذي تقع فيه القصة. فهناك عالمان متوازيان، أحدهما مرآة للآخر، يزيد من جمالية تصوير المناظر الطبيعية، كالجبال الشاهقة التي تشهد انعكاسها، والسحب المتضادة تذوب مع البحر، وتتلاقى مع مرآتها فتضفي مع الضباب مظهراً سرمدياً بديعاً، مما يعمق من جمالية التقاء كل من آدم وإيدن في مناظر طبيعية تركز على توازي العالمين.
ويقرّ عدد كبير من نقّاد السينما، أن الفيلم مبهر من خلال التأثيرات البصرية البديعة، إلا أنه يفتقر إلى الحبكة الدرامية المتماسكة، ويقلل من شأن الفيلم. ومما يزيد من النقد السلبي، الاحتجاج على قانون الجاذبية الغريب، حيث لكل من العالمين جاذبية تسحبه إلى الأسفل من الصعب مجابهتها. وتظهر هناك حركات بهلوانية غريبة كالقفز للعالم الموازي، من خلال مسحوق وردي غريب يساعد على معالجة المعضلة. ويرتشف المرفهون من الطبقة العليا كؤوسهم وهي مقلوبة بترف وتململ. فإن كان من الممكن التعامل مع الفيلم على أنه مقتبس من فكرة خيالية لا تمت للواقع بصلة، فمن السهل الاستمتاع بفيلم فانتازيا غرائبي.
يمسك آدم بحبل يشد فيه بقوة إيدن التي تقف موازية له رأساً على عقب، ليحاول جلبها إلى عالمه، بصعوبة بسبب قوة الجاذبية يقلها إلى العالم السفلي ليتمتعا بلحظات حالمة تقتلها مطاردة السلطات لهما. ففي نهاية المطاف، من الممكن أن يتغلب الحب على الجاذبية، إن حاول المرء تناسي القوانين والغرق في متعة المشاهدة. ليتساءل المرء، في غمار تدفق الأفلام التي تركز على التصوير السينمائي، والمؤثرات البصرية، هل من الممكن التغاضي عن حبكة درامية متماسكة، وقصة تحكى فتبهر؟ ففي ذلك استغفال لذكاء المشاهد والتعامل معه كمتلق دائم لأي فيلم يعرض.

الأكثر قراءة