الاستثمار وقت الحروب والأزمات
يزدهر التعليم وتفتتح الجامعات وتزيد الاستثمارات عادةً في أوقات السلام والاستقرار، كما تزيد الصناعات وتتوسع المدن بالأسواق والبنايات والمستشفيات في هذا الوقت أيضاً. العكس يحدث في أوقات الحروب والأزمات، حيث يجبن رأس المال ويفضل المستثمرون الاحتفاظ بالكاش أو النقد لمواجهة المخاطر المحتملة. لكن هل هناك استراتيجيات يستطيع من خلالها المستثمرون استثمار ثرواتهم وقت الأزمات؟ هل من الممكن أن تجلب الأزمات والحروب فرصا استثمارية تعظم من قوتهم الشرائية المستقبلية؟
الحروب والأزمات تبدو وكأنها منعطف من منعطفات الحياة، حيث لا تكاد أن تنقضي بضع سنوات إلا ونسمع عن حرب أو أزمة تبدأ هنا أو هناك، بشكل أو آخر. هناك ما يزيد على عشر حروب أو أزمات منذ بداية التسعينات الميلادية فقط، فما أن انتهت حرب أفغانستان مع الاتحاد السوفيتي ومن ثم تفككه، حتى ظهرت بوادر حرب الخليج الثانية وحرب العصابات الجزائرية، ثم الأزمة المالية التي عصفت بدول شرق آسيا، إلى أزمة 9/11 وغزو أفغانستان ومن ثم العراق، ثم الأزمة المالية في أمريكا، وإلى بداية الربيع العربي التي أودت بالمنطقة إلى حالة اللا استقرار التي تعيشه المنطقة إلى اليوم.
في ظل هذه الأجواء، يحذر المستثمرون وأصحاب رؤوس الأموال من الدخول في استثمارات في مناطق الصراع، بل قد يلجأ بعضهم إلى سحب استثماراتهم. حول هذا السياق، يحاول كتاب "الحرب، الثروة، والحكمة" War, wealth, and Wisdom لمؤلفه بارتون بيقز الإجابة عن الأسئلة أعلاه من خلال الغوص في تاريخ الأصول وأدوات الاستثمار أثناء الحرب العالمية الثانية وما بعده. وعلى خلاف كثير من الكتب، كثير من النصائح التي وردت في الكتاب تفيد صغار المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال البسيطة، في نفس الوقت الذي تفيد فيه كبار المستثمرين.
على خلاف ما يعتقد البعض، فإن الكاش من العملة (النقد) من أسوأ الأصول في وقت الحروب والأزمات. بحسب الكاتب بيقز فإن عملة الدولة المنهزمة أو المغزوة ستنتهى وتظهر عملة جديدة وحتى لو بقيت فإن القوة الشرائية للعملة ستضعف بشكل كبير. في غزو العراق عام 2003، ظّن كثير من الناس أن الدينار العراقي سيتلاشى ويستبدل بعملة أخرى، وعلى الرغم من أن ذلك لم يحدث إلا أن عملة العراق فقدت الكثير من قوتها الشرائية.
هل الحل إذن في شراء وتخزين الذهب؟ الذهب كان وما زال مصدرا للثراء وحفظ الثروة، لكن الذهب ليس الاستثمار الأمثل في أوقات الحروب والأزمات. في حالة الحاجة إلى سيولة أو كاش، ستضطر إلى بيع الذهب أو مبادلته ببعض الخدمات والسلع التي قد تكون أقل ثمناً منه. إضافة إلى أن ثمن تخزين وحفظ ونقل الذهب مكلف وقد يكون عرضة للسرقة أو التزوير. إحدى أفضل وسائل تخزين الثروة هي شراء الأراضي وخاصة الزراعية منها أثناء الحروب والأزمات. تتميز الأراضي بأنها ليست بحاجة إلى وسائل للحفظ والتخزين أو حتى النقل، كل ما تحتاج إليه هو الصبر حتى تضع الأزمة أوزارها. الأراضي الزراعية لها ميزة إضافية، وهي أنها قادرة على تأمين الغذاء لك ولعائلتك في حال الاضطرار إلى زراعتها والعمل على إصلاحها.
الأسهم وأسواق المال ليست سيئة في وقت الأزمات كما يظن البعض، بل قد يكون أفضل وقت للدخول إلى سوق الأسهم هو وقت الأزمات عندما تهوي الأسواق ويسعى الناس إلى بيع أسهمهم. الخطر الذي قد يواجهك إذا تحولت الدولة بعد الحرب أو الأزمة إلى دولة اشتراكية لا تؤمن بالأسواق المالية -وهذا بعيد-.
عندما حدثت الأزمة المالية في أمريكا عام 2008، تنادى فريق من الناس بأنها نهاية الرأسمالية وفرح فريق آخر بقرب أفول اقتصاد أمريكا. في نفس الوقت، اغتنم فريق آخر الفرصة وركّزعلى استثمار ما يملك في سوق الأسهم الأمريكية. لو افترضنا أن شخصاً كان يمتلك قرابة 10 آلاف دولار واستثمر بقيمة 5 آلاف دولار (18,750 ريالا سعوديا) أسهما في شركة أبل التي كانت بسعر 90.33 دولار للسهم، ومثلها في شركة جوجل التي كانت بسعر 164 للسهم لتعدى اليوم قوته الشرائية 55 ألف دولار.
الاستثمار في الأفكار الريادية والمشاريع المبتكرة قد يكون من أفضل سبل الاستثمار وقت الأزمات. ففي عام 2009 وفي ظل الأزمة الاقتصادية الأمريكية قرر جان كوم وبرايان اكتون أن يبدآ مشروعهما واتسب Whatsapp والشركة الوحيدة التي استثمرت معهما هي سكويا كابتل بمبلغ 8 ملايين دولار وقد بيع "واتسب" بمبلغ 19 مليار دولار في عام 2014.