Author

العودة إلى حضن الطفولة

|
الحياة مدرسة كبيرة وشاملة تحمل في طياتها الكثير من الدروس والعبر، ولكل واحد منا مع الحياة محطات من التعلم والعمل والجهاد الصادق الصافي نحو البناء الإنساني الشخصي أولا ثم الإنساني السليم ثانيا، والجاهل هو من يدع الأيام تمر دون تعلم وعمل ومحاكات للإبداع والتطوير، واعتقاد البعض أن تعلم الفهلوة والنفاق والتملق وذم الآخرين أو تصيد الأخطاء أو سرقة جهودهم هو الطريق الأقصر للوصول إلى المكان الأعلى وتحقيق المجد هو اعتقاد زائف، وأغلب أصحاب هذا الاعتقاد والأسلوب والتصرف والعمل شخص أعطته الحياة هذه الفرصة ليس لخدمته ولكن لتعريته أمام الناس ولترسم الحياة منهم دروسا وعبرا حتى يقدموا نماذج في مدرسة الحياة ليتعلم منها الناجحون، إن النجاح ليس سهلا وإنما يتطلب الجهد والعمل والمصارعة والتعلم والعمل الدائم والمستمر، ولقد أعاب الله سبحانه وتعالى من يدعي العمل الذي لم يعمله "لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم"، وهذا الدرس يوضح أهمية العمل الجاد الصادق والخروج عنه هو خروج عن توجيه رباني مهم نحو العمل، والعمل الجاد لا يأتي بالأماني أو الخلود إلى الهوى وإنما كما يقول الشاعر: لا تحسبن المجد تمرا أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا هذا الوصف الحكيم لمتطلبات النجاح وهو ما يؤكده الشاعر الآخر بقوله: ذريني أنال ما لا ينال من العلا فصعب العلا من الصعب والسهل من السهل إنه رغم مصارعة الحياة والعمل نحو العلا إلا أن الوقفة مع هذه الزحمة التفاعلية الجهادية بين الأنفس ومتطلباتها والحياة والتزاماتها تأتي فرصة أو ومضة تسمح لك أن تقف لمراجعة تلك الرحلة بكل دروسها ومعاهدها وأعمالها لاستنباط واستيعاب الرحلة ومعرفة الدروس المستفادة منها ومع هذه الوقفة تقفز للذهن ومن ذلك المعطى القيمة الطفولية للحياة، وعلى رأسها الابتسامة والسلوك الطفولي البسيط والبريء وتكون العودة إلى حضن الطفولة بعيدا عن هم المسؤوليات وزحمة جهادها، وتكون الطفولة ذلك الحضن الراعي المبتسم للحياة المشرقة. ولأن حياة الطفولة حياة تحمل كل معاني الحياة الصافية لأننا نجد في روح الطفولة تلك الابتسامة البريئة والتعامل البسيط، لا يحقدون ولا يحسدون وإن أصابهم - لا سمح الله - مكروه فإنهم لا يتذمرون، حياتهم ليومهم؛ فهم يعيشون يومهم بيومهم، بل كل ساعة بساعتها لا تفكير ولا تخطيط ولا هموم لغد قادم أو أمس ماض، لا يعني لهم المستقبل ذلك الهم الكبير لما سيكونون وماذا سيعملون، لحديثهم نكهة خاصة تجدها على لسان كل أهليهم يرددون كل ما يقول أطفالهم بكل براءة، أحاسيسهم مرهفة ومعاملاتهم عطاء ومحبة لا يحملون الغد إساءات الأمس كل يوم ينطوي بكل خيره وشره لا يحمل الغد من الأمس همومه ومشاكله وعلاقاته، يوم جديد وصفحة جديدة طموح جديد وصباح مشرق، الكلمة الجديدة تمسح الحديث الغليظ لأن القلوب الصغيرة بيضاء لا تحمل هما ولا حقدا ولا حسدا، حياة الطفولة كما يقال صفحة بيضاء وحياة صفاء؛ لأنهم يحملون تلك الثغور الباسمة والقلوب النقية والروح البريئة. العودة إلى حضن الطفولة في منتصف العمر عودة تحمل الكثير من الخير تعود بالنفس إلى ذلك العالم المخملي المحمل بكل الهدوء والراحة والسعادة والاستقرار بعيدا عن النفوس المريضة المتربصة بكل عطاء أو إنجاز يقودها فكر متخلف مريض لا يرى في الإنجاز وحب الوطن إلا السلبية، مصالحه هي المتقدمة على حساب الوطن والمواطن ويقودها أصحاب المصالح الفاسدة، وهنا تكون المصيبة عندما يلتقي الضعف مع الفساد وصحبة السوء وهي رؤية إدارية ستكون نقطة حوار من خلال عدد من المقالات التي تمت صياغة فكرتها ورصد الدروس المستفادة منها خلال رحلة عمل تجاوزت 30 عاما، التي كانت لرحلة العودة إلى حضن الطفولة دور أساسي في قراءتها واستنباط التجارب والعبر منها. إن المفهوم السليم المتوازن لعناصر الإدارة القوية والأدوات الداعمة لتلك العناصر وما يصاحبها من إجراءات وتنظيمات سيكون موضوع عدد من المقالات القادمة - إن شاء الله. كل عام وأنتم بخير وعافية، والحمد لله الذي وفق الجهود المباركة التي تقدمها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لأعز ضيوف يفدون إلى المملكة العربية السعودية لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام، ثم الشكر لجميع الزملاء الذين قدموا الغالي والنفيس من أجل تحقيق الراحة والأمان لضيوف الله لأداء حجهم بكل يسر وسهولة، وأسأل الله أن يتقبل من جميع الحجاج حجهم وسعيهم ودعاءهم، وأن يعيد الجميع لأهلهم سالمين غانمين.
إنشرها