الاقتصادية - الموقع الرسمي لأخبار الاقتصاد والأسواق | الاقتصادية

الخميس, 6 نوفمبر 2025 | 15 جُمَادَى الْأُولَى 1447
Logo
شركة الاتحاد التعاوني للتأمين9.94
(1.02%) 0.10
مجموعة تداول السعودية القابضة193.9
(0.41%) 0.80
الشركة التعاونية للتأمين133.5
(2.06%) 2.70
شركة الخدمات التجارية العربية115
(0.44%) 0.50
شركة دراية المالية5.48
(-0.36%) -0.02
شركة اليمامة للحديد والصلب35.56
(0.45%) 0.16
البنك العربي الوطني23.4
(-0.38%) -0.09
شركة موبي الصناعية11.9
(-1.82%) -0.22
شركة البنى التحتية المستدامة القابضة34.64
(0.87%) 0.30
شركة إتحاد مصانع الأسلاك24.2
(2.02%) 0.48
بنك البلاد28.5
(-0.07%) -0.02
شركة أملاك العالمية للتمويل12.93
(0.23%) 0.03
شركة المنجم للأغذية54.6
(0.55%) 0.30
صندوق البلاد للأسهم الصينية12.14
(1.25%) 0.15
الشركة السعودية للصناعات الأساسية58
(-0.51%) -0.30
شركة سابك للمغذيات الزراعية120
(-0.08%) -0.10
شركة الحمادي القابضة32.16
(-1.05%) -0.34
شركة الوطنية للتأمين14.18
(0.21%) 0.03
أرامكو السعودية25.84
(0.94%) 0.24
شركة الأميانت العربية السعودية19.17
(0.42%) 0.08
البنك الأهلي السعودي39.24
(-0.41%) -0.16
شركة ينبع الوطنية للبتروكيماويات31.82
(-0.56%) -0.18

إذا كانت نظرية مؤسس الفلسفة السياسية توماس هوبز قد استطاعت أن تجيب عن ما الغاية من وجود الدولة؟ أي باعتبارها الضامن لحق البقاء وأن تضع اللبنات الأولى لفكرة التعاقد الاجتماعي وأن تدخل السياسة في مزيد من "الأرضنة" بطردها لنظرية الحق الإلهي وجعل السياسة تصعد من الأسفل إلى الأعلى بقرار من الشعب، وأن تبعد فكرة الطبع الأرسطية التي تكرس الفوارق بين الأفراد نحو صناعة الدولة. وعلى الرغم من ذلك كانت تتضمن عيبا كبيرا وهو كون أن وهب الناس أثناء تعاقدهم أنفسهم للحاكم بصلاحيات مطلقة لهو أمر يغري بالطغيان لا محالة ويدخل الدولة في عملية استبداد تنسف حرية وكرامة الأفراد٬ هذا الأمر دفع بجيل آخر لاحق نحو ترميم النظرية وتعديلها بحيث تكتمل وتضمن حقوق الإنسان كاملة وهو ما تجلى بوضوح مع الفيلسوف جون لوك، الذي سنحاول إلقاء بعض من الضوء على فلسفتة السياسية مركزين على جدته وعلى إضافاته للفكر السياسي.

ألف جون لوك (1632/1704م) كتابا بعنوان " رسالتان في الحكم المدني" سنة 1690م لهدم الحجج التي يعتمد عليها أنصار الحكم المطلق خاصة الحكم المبني على فكرة الحق الإلهي التي وجدت صداها الواضح مع " روبرت فلمر" ( 1588/1653م) الذي ألف كتابا بعنوان واضح هو " الحكم الأبوي البطرياركي .. دفاع عن السلطة الطبيعية للملوك" فقام لوك بالرد عليه وتفنيد أطروحته ممهدا بذلك لمجتمع ليبرالي حر.

#2#

انطلق لوك مثله مثل هوبز من حالة الطبيعة لكنها لم تكن كما وصفها هوبز بالمأساوية بل كانت حالة سلام حيث مشاعة الملكية والمساواة والحرية، هذه الحقوق الثلاثة يعتبرها لوك مقدسة لكنها تعرضت للانتهاك نظرا لظروف طرأت "الندرة في الموارد" فجعلت الملكية من نصيب البعض على حساب البعض الآخر فكثر الجشع والطمع فدخل المجتمع في حالة نزاع وشقاق مما يستوجب البحث عن خلاص وهو الاتفاق على التنازل عن الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس وعن الأرض والممتلكات لسلطة حاكمة تقوم هي بدور الحماية٬ وهكذا بدأ يظهر التنظيم السياسي أو المدني أو الدولة لرعاية المصلحة للجميع.

لقد ركز جون لوك كثيرا على حق الملكية فهي كانت شغله الشاغل فهو يرى أن بداية البشر، سادت فيها حالة التساوي المطلق٬ فالإنسان له الحق بوصفه كائنا لا متناهيا أن يضع يده على كل ما في العالم باعتبارها أشياء متناهية، وهذا الأمر متاح للجميع بنفس الشاكلة٬ فالأصل إذن في الفرد" أنه يملك ذاته ويملك عمله وجهده وكده"٬ فإن جنى التفاح المشاع، فهذا يعني أنه أصبح يدخل ضمن ملكيتي وبالمثل، إذا ملأت جرة ماء، فهذا الماء سيصبح ملكي، نظرا للجهد الذي بذلته في الحصول عليه٠ فقانون العقل يقول إن الغزال الذي اصطاده الرجل الهندي هو ملك له.

وعندما أكون في البحر وأصطاد سمكة فمباشرة هي ملك خالص لي. وإذا ما شربت من النهر٬ فمهما شربت فلن أضر الآخر٬ ما دام هناك ما يكفي من الماء. وبالمثل نقول عن امتلاك الأرض فهي تصبح لي كامتلاكي لجرة الماء. وكخلاصة تجعل لوك من الممهدين للتنظير الاقتصادي الليبرالي الحديث نقول إن العمل هو الذي يحول الموجودات الطبيعية المشاعة بين الناس إلى ملكية خاصة لمن أضاف إليها مجهوده. لكن السؤال المهم هو: ما الطارئ الذي جعل حق الملكية ينتقل من حالة التساوي، مما يضم السلم والأمن والرخاء إلى مشكلة في حد ذاتها؟ يرى لوك أن الأمر مرتبط بالندرة. ففي البداية كانت الموارد متاحة ومتوافرة وبنفس الجودة للجميع٬ لكنها قلت ونضبت ونظرا للتفاوت بين الناس في القوة فقد أصبح هناك من يملك وهناك من لا يملك٬ فدخلنا في اللامساواة، ولهذا نجد لوك يؤكد أن أهم وظيفة يجب أن تقوم بها السلطة السياسية هي ضمان الملكية باعتبارها حقا طبيعيا أصيلا ومقدسا. يتبنى لوك مثله مثل سابقه توماس هوبز نظرية التعاقد الاجتماعي٬ لكن مع فارق٬ هو أنه إذا كان هوبز يخرج الحاكم من التعاقد لوهبه كل الصلاحيات٬ فإن لوك يجعل الحاكم في قلب التعاقد٬ فالعقد المبرم يتم ما بين طرفين هما الحاكم من جهة٬ وهو يسهر على حماية الملكية والحرية والمساواة، والشعب من جهة أخرى والذي من حقه إلغاء التعاقد مع الحاكم وعزله إذا أهمل واجباته٠

إن أفكار لوك السياسية أحدثت تأثيرا عميقا وراسخا، رهنت مستقبل "أرويا"، بل العالم كله، فجون لوك يذهب إلى أن " الإنسان ولد حرا" وهي العبارة التي يفتتح بها روسو كتابه "العقد الاجتماعي " كما كانت شعار الثورة الفرنسية بعد ذلك٬ بل هي مستهل "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" لسنة 1948 .

كما أن مؤلف لوك " في الحكم المدني " كان يعد الكتاب المقدس للفكر السياسي الحديث، نظرا لما فيه من دفاع عن حق الملكية الأصيل في الإنسان وإعلائه لكلمة الإرادة العامة٬ فقد استلهمه الرئيس الأسبق توماس جيفرسون وهو يعد من الآباء المؤسسين للنظام السياسي الأمريكي٬ فأفكار لوك واضحة وساطعة في وثيقتي إعلان الاستقلال والدستور الأمريكي معا. لقد رأينا كيف أن جون لوك يعد من المرجعيات الأساسية للنظرية السياسية الليبرالية بكتابه " في الحكم المدني "، لكن تجدر الإشارة إلى أن لجون لوك كتابا آخر لا يقل أهمية عن الأول وهو " رسالة في التسامح" وكان البذرة الأساس لحرية المعتقد التي ستصبح ركنا ركينا في المنظومة الحقوقية للزمن الحديث، إنه كتاب سيروج من خلاله جون لفكرة جوهرية وهي: أن لكل واحد أن يختار لنفسه وفي نفس الوقت يسمح للآخر وفي هدوء أن يختار طريقه، دون حقد أو ضغينة، كما يدافع لوك عن استقلالية الفرد الدينية إلى أبعد مدى فليس للحاكم المدني أي سلطة على أفراد شعبه فيما يتصل بالدين لأن أمور الدين تخص الفرد والله فقط، يقول لوك: " كلها بين الله وبيني أنا" ويصرح أيضا أنه " ليس من المعقول أن يكل الناس إلى الحاكم المدني سلطة أن يختار لهم الطريق إلى النجاة، إنها مسألة خطيرة لا يمكن التسليم بها" فالحاكم مسؤول عن المحافظة على الخيرات المدنية وهي: الحياة والحرية والمساواة وحق الملكية فقط ولا شأن له بعالم الروح. بل يرى لوك أن المرء إذا ما أخطأ في العبادة فإنه لا يضر أحدا آخر غيره. إن لوك يرى أن نجاة الروح من اختصاص الفرد نفسه فهو من هذه الناحية حر طليق فهو أعلم بالدرب الآمن لنجاته. إضافة إلى ذلك يوصي لوك الحاكم المدني بأن لا يمنع الناس من ممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية، فالمخالف لنا في الدين لا يجب علينا قهره باستخدام القوة ضده، بل علينا في مقابل ذلك أن نقنعه بأن " يصير صديقا للدولة" وبهذا نجد أن أفكار لوك كانت دعامة أساسية نحو اللائكية، بجعله نجاة الروح خلاصا فرديا، و ضمان الخيرات الدنيوية خلاص جماعي.

* أستاذ الفلسفة - المغرب

للإشتراك في النشرة
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من الاقتصادية
«جون لوك» واللمسات الأولى نحو الفكر الليبرالي