داعش والقاعدة والإخوان والأفكار المضللة
في الأول من شهر المحرم لعام 1400هـ الموافق 1979 وهي سنة ظهور "جهيمان" واحتلال الحرم المكي الشريف، وفي السنة نفسها 1979 سقوط الإمبراطورية الإيرانية وظهور آية الله الخميني، ومع هاتين الحركتين حركة جهيمان والخميني بدأت حركات التطرف بالظهور.
حيث قبلها لم يكن العالم العربي والإسلامي يعيش في فوضى ظهور هذه الحركات، فالسنة والشيعة كانوا متعايشين لم تكن بينهم أية فروقات، ولم تكن هناك طبقات تنعت الشيعي بأنه ضال أو السني بأنه متطرف، فالكل متعايش ومتحابون وفق أنظمة دول كانوا تابعين لها، وأكثر من ذلك أن التزاوج والتصاهر بين السنة والشيعة كان معمولا به في أكثر من دولة خليجية.
ولكن تغير الحال بعد ظهور هاتين الحركتين "الخميني وجهيمان" وعلى الشاكلة بعد أن احتل الاتحاد السوفياتي أفغانستان وظهور "أسامة بن لادن" وحركة الطالبان التي ظلت تكافح وتحارب الاتحاد السوفياتي، بدعم كبير من أمريكا سواء كان هذا الدعم ماديا أو عسكريا، حتى انتهت بخروج الاتحاد السوفياتي من أفغانستان بعد أن تكبد في هذه الحرب آلافا من الجنود وخسر الملايين من الدولارات من جراء هذا الاحتلال الغاشم والفاشل.
وبهذا استطاعت الولايات المتحدة إبعاد خصمها العنيف دون أن تدخل في حرب مباشرة معه، ولكن الواقع هي "الولايات المتحدة" من وراء دعم أسامة بن لادن حتى انتهى المطاف باستسلام الرئيس الأفغاني آن ذاك وقتله، وقامت حركة الطالبان وزعيمها الملا عمر بتشكيل حكومة جديدة تحكم أفغانستان وهي حكومة الطالبان، حيث اعترف بها كثير من الدول، وأصبح لها سفراء معتمدون في عدد من الدول الإسلامية. ومن حركة الطالبان بدأت حركة القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن بالظهور، الذي انقلبت عليه أمريكا وتحول الصديق إلى عدو وأصبح مطلوبا لدى أمريكا، خصوصا بعد أحداث 11 من أيلول (سبتمبر)، حيث قامت حركة القاعدة بإجازة محاربة الأمريكان وضرب المصالح الأمريكية في كل مكان وقتل الرعايا الأمريكان في عدد من الدول، حينها أعلنت الولايات المتحدة حربها على بن لادن والقاعدة، وفعلا تم لها ما بدأت به وهو إنهاء حركة الطالبان وخروجها من أفغانستان وفرار كبار زعمائها إلى الجبال وأهمهم الملا عمر، وأصبح بن لادن والقاعدة يحاربان أمريكا من مغارات الجبال، وانخرط في حركته العديد من الشباب من أصحاب الفكر الضال الذين غسلت أدمغتهم، وبدأت عمليات التفجير التي طالت السعودية وعددا من الدول الأخرى.
ونشطت بذلك حركة الإخوان في مصر، وبدأ التطرف الديني يأخذ طريق العنف، وأصبحت الجامعات مركزا للإرهاب والتفجيرات التي طالت الفنادق والسياح الأجانب وقتلهم في مصر.
وفي 11 من أيلول (سبتمبر) وبعد أن كبر تنظيم القاعدة وزعيمها بن لادن قامت بهجومها على الولايات المتحدة عام 2001 حينها أعلنت أمريكا حربها على الإرهاب وخصصت ميزانية ضخمة لمقتل بن لادن، وبالفعل تم قتل بن لادن في أحد المنازل في باكستان. ويستمر ظهور مسلسل الحركات الإرهابية، فبعد سقوط بغداد على يد الأمريكان والحرب الدائرة في سورية، ظهرت حركات أخرى احتلت المكانية الرئيسة في الإعلام بدلا من القاعدة، وأهمها الحركة الجديدة "داعش" التي أطلق زعماؤها ورئيسها أبو بكر البغدادي أنهم دولة الخلافة الإسلامية في الشام والعراق. وبدأت هذه الحركة الصغيرة المكونة من أفراد خارجين على النظام وبسرعة هائلة في مدة زمنية بسيطة، وشكلت هذه الحركة قوة عسكرية مزودة بالسلاح والعتاد الحربي، الذي لا يعلم أحد كيف وصلت هذه المعدات والعتاد إلى أيديهم، وكانت أولى المشاكسات هي ذبح الصحافي الأمريكي جيمس فولي كما تذبح الشاة بالسكين، حيث إن هذا المنظر يوحي بالمزيد من جرائم القتل على أيدي هؤلاء السفاحين، وأصبحت دول المنطقة مهددة من قبل منظمة داعش وغيرها. ولكن ما نحن بصدده ليس "داعش" أو "الجهاد الإسلامي" أو "النصرة" وهي حركات ضالة ليس لها أساس، ولم تُبنَ على قواعد سليمة وستنتهي كما انتهت القاعدة والطالبان، وقيدت حركة الإخوان وانتهى زعماؤها إلى السجون وأكثرهم محكوم عليهم بالإعدام أو المؤبد.
لكن نحن بصدد فكر ضال وهدام، استباح أفكار الشباب وغرر بهم وصور لهم أن الحياة الدنيا كفاح وقتل من أجل دخول الجنة، ومن يريد الدار الآخرة لا بد أن يدفع الدية أو الضريبة وهي مكافحة الدول والحكام والمسؤولين، علما بأن الكثير من هؤلاء الشباب ماتوا أو إنهم حبسوا ولا يزالون وراء الأسوار الحديدية، ولكن الفكرة تستمر وتنمو في أذهانهم، لدرجة أن الكثير أصبح يوصي أبناءه بالاستمرار نحو هذا النهج المتطرف.