Author

تجارة الفوركس .. ثراء الوهم وضياع للأموال

|
تنتشر هذه الأيام بشكل لافت للنظر الإعلانات والدعايات التي تسوق لما يعرف بتجارة الفوركس، وبالذات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، إضافة إلى الرسائل الإلكترونية التي تصل يومياً إلى المليارات من أصحاب العناوين الإلكترونية، تدعوهم من خلال مواقع لمؤسسات مالية واستثمارية إلى الدخول في سوق العملات للتداول وتحقيق أرباح طائلة وثراء سريع. وتعرف تجارة الفوركسForeign Exchange Market على أنها التداول في سوق العملات لدول العالم المختلفة، وبالذات العملات الرئيسة منها. ويقدر المحللون الماليون وفقاً لموسوعة ويكيبيديا الحجم اليومي لتداول العملات في سوق الفوركس بنحو 30 تريليون دولار (30 ألف مليار دولار يوميا) حيث إن آلاف الملايين من الدولارات تباع وتشترى كل ثانية. كما أنه بإمكان المتداول في السوق أن يحقق أرباحا هائلة بتوظيف رأسمال صغير ومحدود من خلال ما يعرف بـ «المتاجرة بالهامش» Margin Trade، الذي يتطلب رأسمالا صغيرا مستثمرا ومحدودا للبيع والشراء للتداول بمبالغ كبيرة من العملات باستخدام ما يعرف فنياً بالرافعة المالية Financial Leverage. وتتم عملية التداول في سوق العملات، عن طريق شراء أو بيع ما يعرف "بأزواج العملات" حيث يقوم المتداول بتداول عملة مقابل أخرى، مثل زوج اليورو/الدولار الأمريكي، وزوج الدولار الأمريكي/الين الياباني، وزوج اليورو/الين الياباني ... وهكذا. وتتم عملية التداول على الفور عن طريق شراء أو بيع "أزواج العملات" وبالذات الرئيسة منها، حيث يقوم المتداول بافتتاح صفقة أو ما يعرف بـ (وضعية) في السوق وتبادل أزواج العملات بواسطتها. ولعل ما يميز سوق التداول في سوق العملات عن غيرها من الأسواق، أنها تعمل على مدار الساعة (24 ساعة يومياً) خلال أيام عمل الأسبوع، نظراً لاختلاف التوقيت بين مدن العالم، كما أن هناك برامج متوافرة تسمح للمتداول بالقيام بعقد الصفقات واختيار الوضعيات التي يرغب فيها بالاستعانة بالإنترنت، ما يسهل عليه التداول في السوق من أي مكان في العالم وفي أي وقت يشاء. ولعل ما يميز أيضاً أسواق تجارة العملات عن غيرها من الأسواق (أسواق السندات والأسهم)، أن المتداول فيها لا يحتاج إلى كثير من الإجراءات كي يبدأ التداول، فعلى سبيل المثال لا يحتاج المتداول في السوق إلى رخصة، ويمكن بدء التداول برأسمال صغير جداً، كما أن كل ما يحتاج إليه المتداول هو جهاز كمبيوتر مع وصلة إنترنت وحساب فوركس للتداول من خلاله. ولكن وعلى الرغم من المميزات والخصائص العديدة الإيجابية للتداول في سوق العملات، وما يمكن تحقيقه من أرباح طائلة، إلا أن التداول في هذا النوع من الأسواق لا يخلو من المخاطر التي قد تتسبب في ضياع الأموال وفقدانها في غمضة عين، وبالذات أن سوق الفوركس يعد من أكثر الأسواق تقلباً على مستوى العالم وتأثراً بالعوامل الاقتصادية والجيوسياسية، ولا سيما أن أسعار العملات من بين الاستثمارات دون غيرها الأكثر تأثراً بما يعرف بالعوامل الأساسية التي تؤثر في أداء الأسواق، مثل أسعار الفائدة، والتضخم والاستقرار السياسي والاقتصادي للدول. وبطبيعة الحال تكون الطامة أكبر والمصيبة أعظم والخسارة أوسع، عندما يقع المتداول ضحية عمليات نصب واحتيال في سوق الفوركس، التي أصبحت دارجة هذه الأيام بشكل كبير في ظل انتشار وسائل الاتصال الحديثة وتقنيات التواصل، التي تعتمد عليها تجارة الفوركس بشكل كبير. من هذا المنطلق يُنصح بعدم دخول الأفراد، وبالذات غير المحترفين منهم إلى سوق الفوركس وتداول العملات من خلالها، حيث أثبتت التجارب العملية أن هناك عديدا من المؤسسات المالية المتخصصة في تجارة الفوركس تخسر في نهاية المطاف أموالها المستثمرة في السوق بنسبة تقدر ما بين 70 و75 في المائة من تلك المؤسسات، رغم ما لديها من تقنيات وخبرات طويلة في مجال الاستثمار والتداول في سوق العملات، التي تمكنها من التحكم في حجم الخسائر وتحقيق الأرباح، مثل ما يعرف بـ "نقطة إيقاف الخسائر" stop loss و"تحصيل الأرباح" take profits و"أوامر تحديد الصفقات" limit orders، التي بواسطتها يمكن التقليل من المخاطر وزيادة احتماليات الربح. خلاصة القول، إن تجارة الفوركس، ليست من أنواع التجارة أو الاستثمار للأفراد غير المتخصصين وغير المحترفين للتداول في أسواق العملات، وبالذات أن أسواق العملات في العادة ما تتعرض لتذبذبات حادة، قد تتسبب في حدوث خسائر مالية جسيمة للمتداول، قد تنتهي بضياع الأموال، وبالذات في الحالات التي يتاجر فيها الفرد في السوق من خلال ما يعرف بالمتاجرة بالهامشMargin Trade، واستخدام ما يعرف بالرافعة المالية Financial Leverage. وبطبيعة الحال ونتيجة لتزايد عمليات النصب والاحتيال المالي في أسواق الفوركس بوجود مؤسسات وشركات فوركس وهمية ومزيفة، فإن ذلك يضاعف من مخاطر تجارة الفوركس، إلى جانب غياب الأسلوب والبراعة الفنية techniques التي تمكن المتداول في السوق من تجنب المخاطر المحتملة الحدوث ومن ثم تحقيق الأرباح المستهدفة، مثل نقطة إيقاف الخسائر، وأوامر تحديد الصفقات.. إلى غير ذلك من الأساليب والأدوات التي تمكن المتداول من تحييد المخاطر. وفي حال إصرار المستثمر على المتاجرة في سوق العملات، يُنصح بأن يتم ذلك من خلال مؤسسات مالية واستثمارية متخصصة في مجال سوق الفوركس ونظامية ومرخص لها في الوقت نفسه، وألا يستثمر الفرد جميع أمواله ومدخراته في السوق، وإن كنت لا أزال أفضل أن يتم شراء وبيع العملات لأغراض تجارية محددة بغرض تفادي الارتفاعات والتذبذبات المفاجئة في أسعار الصرف التي قد تتسبب ــ كما هو معروف ــ في حدوث خسائر مالية للتجار وبالذات للمستوردين منهم للسلع والخدمات بعملات أجنبية.
إنشرها