لماذا كان عبد القادر يحمي النساء؟

- أهلا بكم في مقتطفات السبت رقم 529
***
- تبقى الأم ليس منبعا للحب والحنان وحسب، بل مصدر للشجاعة والثقة وثبات الجنان.
***
- لكم أود أن تدرس قصة الأمير "عبد القادر الجزائري"، الذي حارب فرنسا بغطرسة قوتها ومدافعها، وأساطيلها لمدة سبعة عشر عاما، لم يكل ولا يمل. قرأت عنه إعجابا واستلهاما عدة كتب أكثرها كتبها مؤرخون وكتاب سيرة أجانب، وكل مرة أعجب به أكثر وأقول: يا لهذا الرجل أكان نفسا واحدة أم عدة نفوس ضمت معا؟ رباه والده تربية دينية، وحرص هو بما وهب من ذكاء وتفوق أن يبني ثقافة معرفية واسعة. وشغف في الأدب، وقال الشعر، وفي السابعة عشرة صار شيخا ومثقفا موسوعيا وشاعرا.. وأقوى وأمهر فارس عرفته قبائل الجزائر. لم يقف هذا الرجل العبقري ضد الفرنسيين بالحرب المباشرة، بل أولا نهض بهمة عظيمة لإصلاح الجزائر والقضاء على فوضى القبائل، وغواة النهب.. وعينه الأخرى على الجيش الفرنسي الذي احتل الموانئ ولم يتغلغل داخل البلاد، ولما دخلوا توغلا بالعمق الجزائري كان قد أعد البنية التحتية الوطنية والمقاتلين والعتاد. ودفعت فرنسا أعظم خسائر لها على الإطلاق في أي محاولة استعمارية أخرى. خذله حلفاء كبار وانضموا للفرنسيين، وفي ليلة ماطرة كئيبة شديدة العواصف من تشرين الثاني (نوفمبر) 1847 وقع اثنان من رجال الأمير شروط التسليم. خطط هذا الرجل لتعزيز الروح الوطنية، وإدارة الحالة المدنية أثناء الحرب. وعبقريته الحربية على الأرض التي دوخت قادة الفرنسيس أمثلة تقرأ في كليات الحرب.
***
- كان الأمير عبد القادر الجزائري متعلقا بأمه تعلقا فاق القدر العادي، وكان هذا المغوار الجبار عند أمه يعود "دلوعا" متدلها على حضن أمه، ويقضي معها وقتا حتى أنه يسحب عنها سحبا، وكانت والدته شخصية قوية واسعة الحكمة، يصغر أمامها عبد القادر ويتضاءل، ولا يطيق فراقها فرافقته بمعاركه، أي كانت رفيقة كفاحه ومستشاره الأمين في حوازب الأمور. ومن هنا تولع عبد القادر الجزائري بالمرأة عموما تولعا يفيض بالإعجاب والتقدير والاحترام بزمن لم يكن ينظر للمرأة أن لها عقلا وقدرا. كان عبد القادر يشحن عزمه من تشجيع أمه، فتمد روحه بالعزاء والطمأنينة.
ويقول:
وأغشى مضيق الموت لا متهيبا
واحمي نـساء الحي في يوم تهوال
وأبذل يوم الروع نفسا كريـمـة
على أنها أغلى علي مــن الـــغــالي
***
- تعلمت من عبد القادر الجزائري كيف ينجح القائد لما يعزز قيمة الروح الوطنية ويضرب مثلا بنفسه أولا. لما يقدم تابعيه على نفسه أمام الغنائم، ثم يوزع حصته على من يمر عليهم من محتاجي القبائل. وكيف يحمي جنوده ويضع روحه على خط الموت من أجلهم، وكيف يبدو ظاهرا أقل قومه وأصغرهم، فتزداد عظمته ومحبته في قلوبهم، فيثقون به بلا تردد وبلا سؤال. وكيف يكون القائد إنسانا تملأه العاطفة النبيلة، فينكسر قلبه وتدمع عيناه لو رأى قطرة دم من إصبع مقاتل فيأخذ الإصبع ويمتص الدم بفمه. كيف يذل ويصغر أمام أمه، ويراها سنده الأقوى بعد الله، ليس لجبروتها ولكن لقوة الحب التي ترفعه للشواهق. "أمي أرى بها كل الجزائر، ألا أبذل لها الروح رخيصة؟". قائد لم يستطع أجنبي أن يعسفه، أو يتحالف معه.. أو يملي عليه.
***
- المهم: عندما نقول إن وطننا أمنا، وأمنا وطننا.. نصبح وطنيين حقا.
في أمان الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي