جامعة بن ستيت واقتصاد بنسلفانيا
الهدف الأساسي من إنشاء الجامعات هو تقديم تعليم جامعي متخصص، وتأهيل الجيل الصاعد لسوق العمل. لكن هل من الممكن أن تتحول هذه الجامعات إلى ماكينات اقتصادية تقوم على أكتافها اقتصاديات منطقة بأسرها؟ وهل من الممكن أن تبادر جامعة ما لتحفز معها سوق الوظائف، والرياضة، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وغيرها من مجالات الاقتصاد والأعمال؟
للإجابة على هذا التساؤل سأتناول في هذا المقال جوانب من جامعة بن ستيت الواقعة في مدينة ستيت كولج - مقاطعة وسط بنسلفانيا حيث تأسست الجامعة في عام 1855 واستقرت في مقاطعة وسط بنسلفانيا إثر تبرع السيد "جيمس أرفن" بـ 200 أيكر للجامعة (قرابة 81 ألف متر مربع).
يدرس في هذه الجامعة ما يزيد على 45 ألف طالب في التخصصات المختلفة للبكالوريوس والدراسات العليا. وتعد رابطة خريجي الجامعة أكبر رابطة للخريجين على مستوى الولايات المتحدة. وتوفر بن ستيت عددا من المعامل والفرص التي يستطيع الطلاب من خلالها تطوير مهاراتهم.
ففي الجانب الرياضي, توفر بن ستيت عددا من صالات الرياضة حيث يستطيع الطلاب تعلم وممارسة أي رياضة من طائرة, قدم, تنس، سباحة وغيرها من الرياضات، بل إن بن ستيت تمتلك عدة فرق رياضية تدر دخلا رائعا للجامعة يقدر بالملايين من الدولارات. ففريق الجامعة لكرة القدم الأمريكية – على سبيل المثال - استطاع أن يدر دخلا للجامعة قرابة الـ 60 مليون دولار عام 2011 واستطاع من خلال تذاكر المباريات فقط أن يدر قرابة الـ18 مليون دولار في السنة نفسها، وتقّدر قيمة فريق الجامعة لكرة القدم الأمريكية بما يزيد عن الـ100 مليون دولار.
كما تمتلك بن ستيت عددا كبيرا من المعامل التي يستطيع الطلبة إجراء تجاربهم فيها. أحد هذه المعامل هو الكريمري Penn State Creamery في كلية علوم الأغذية. الكريمري هو عبارة عن معمل لتجربة وإنتاج وبيع نكهات الآيسكريم، حيث يعمل ويدير هذا المعمل طلبة كلية علوم الأغذية بشكل أساسي. ويتجاوز مبيعات هذا المعمل الـ5 ملايين دولار سنويا.
ينظم طلبة جامعة بن ستيت تجمعا سنويا لجمع التبرعات لمرضى السرطان منذ عام 1977. في هذا العام 2014، استطاعوا جمع ما يزيد على 13 مليون دولار ليصل إجمالي التبرعات منذ عام 1977 إلى ما يزيد على 114 مليون دولار أمريكي.
لنعلم مدى تأثير جامعة بن ستيت على اقتصاد بنسلفانيا، سأستعير بعض الأرقام من دراسة قامت بها شركة "ترمب أمباك" في 2008. توظف الجامعة ما يقارب من 44 ألف موظف ما بين عضو هيئة تدريس وباحث وإداري، يستلمون فيها ما يقارب من 805 ملايين دولار سنويا، ويتبرع موظفو الجامعة لجمعيات غير ربحية في الولاية نفسها بما يزيد على 130 مليون دولار سنويا.
أكثر من 17 ألف خريج للجامعة يملكون "بزنس" خاصا (شركة أو مؤسسة) في داخل الولاية، ويوظفون ما يزيد على 475 ألف مقيم في بنسلفانيا بمتوسط راتب 9800 دولار. في الوقت الذي يقدر فيه صرف طلبة الجامعة بما يزيد على 932 مليون دولار سنويا وصرف زوار الجامعة بما يزيد على 777 مليون دولار سنويا.
تقدر المساهمة المباشرة لجامعة بن ستيت على اقتصاد بنسلفانيا لعام 2013 بما يزيد على 9.5 بليون دولار، والمساهمة غير المباشرة بـ8 بلايين دولار، وبهذا تكون مساهمتها في اقتصاد بنسلفانيا أكثر من مساهمة محطات الطيران، فرق الرياضة، الفن، والمنظمات الثقافية الأخرى مجتمعة.
هذا كله لم يجعل جامعة بن ستيت تتنازل أو تتهاون في مهمتها الأساسية، فقد تخرج منها عام 2013 قرابة 13 ألف خريج ليصل إجمالي خريجي الجامعة إلى ما يزيد على 719 ألف خريج منذ إنشائها. كما أن الجامعة صرفت ما يقارب من 753 مليون دولار على الأبحاث سنة 2009 وحدها وحققت المركز التاسع في العام نفسه لأكثر الجامعات دخلا من الأبحاث. في الوقت الذي تدير فيه كراسي ومراكز بحثية يقدر رأسمالها بنحو 2.03 بليون دولار، وتصنف جامعة بن ستيت حسب U.S. News في المركز الـ37 على مستوى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية.
هناك العشرات أو المئات من الجامعات المنتشرة في الولايات المتحدة والعالم التي تشبه جامعة بن ستيت وتحاول أن تسهم في بناء اقتصاديات بلدانها، فالجامعات اليوم لم تعد فقط لتخريج الطلاب والطالبات، بل أصبحت منصات إنسانية لبناء الإنسان وتحريك الاقتصاد وإنتاج المعرفة وتقديمها بشكل يلبي حاجات المجتمع ويسهم في حل مشكلاته. وعلى الرغم من توفر الدعم والإمكانات في الجامعات السعودية، إلا أن كثيرا من الجامعات السعودية لم تبدأ خطوة الألف ميل للمساهمة في مجتمعاتها.